لعل المتابع للشأني السياسي السوداني منذ الاستقلال يجد تعاقب العسكريين والمدنيين على حكمه وكفة سنوات حكم العسكريين هي الأرجح حيث ظل الجيش يستلم السلطة مستقلا صراعات الأحزاب وهشاشة فترة حكمها ويتجاوب الشعب مع القيادة العسكرية ويدعم انقلابها بسبب تردي الأوضاع العامة والتشاكس الكبير بين مكونات الحكومة لعل النموذج الاوضح لذلك هو فترة الديمقراطية الثالثة التي في آخر أيامها كانت مدعاة للتندر في كل شؤونها لذلك التف الشعب حول ثورة الإنقاذ الوطني ووجدت تأيدا منقطع النظير .. هذه اللمحة التاريخية هي ليست تمجيدا لحكم العسكريين ولا إدعاء بأنه أفضل من حكم المدنيين ولكن إشارة لأسباب قبول الشعب للانقلابات وايضا إشارة لعدم وجود برامج لدى الاحزاب وتصورات لإدارة الدولة زد على ذلك عدم وجود دستور دائم تضمن اسسه الرئيسة في عقيدة الجيش في الكلية الحربية وكلية القادة والأركان..ليكون الجيش بعيدا عن السياسة متفرغا لمهامه الأساسية.
إن تطاول سنوات حكم الإنقاذ التي وصلت للثلاثين عاما كانت حسوما على خصومها السياسيين لدرجة اوصلتهم مراحل أقرب للياس السياسي الذي جعلهم يمارسون السياسية بطريقة الكيد الذي كثيرا ماكان يمتد أذاه للبلد وللشعب كدليل واضح على عدم التفريق بين الوطن والحكومة في تصورات هذه الأحزاب فظهرت تصرفات كتفجير أنبوب البترول ودعوات لقصف مصنع الشفاء ووصل الأمر ببعضهم أن قدموا دعوات للتدخل الأممي تحت البند السابع.
إن فكرة الاستيلاء على السلطة عبر تقويض الدولة وعبر تقويض جيشها وهدمه بالكامل هي إحدى أفكار اليأس السياسي.. ظهر ذلك في خطابات قحت.. ولعل تعليق ياسر عرمان عن أن أكبر فائدة لهذه الحرب هو تكسير القوة الصلبة للإسلاميين (يقصد الجيش) وتوصيف الجيش بأنه هو ليس جيش الوطن وإنما هو عبارة عن حزب سياسي وذراع باطش للإسلاميين هو غطاء سياسي وفرته قحت لذبح الجيش بأيدي الجنجويد دون ان يتحرك المواطنون ليقفوا مع جيشهم لأن الموضوع صراع سياسي بين الجنجويد والكيزان.. هذه الجريمة التي لاتغفر لهذه الأحزاب شتت تفكير كثير من الناس وأحدثت ربكة وساوت بين الجيش الوطني والمليشيا لدرجة تسميتهم بالطرفين.
بحثت في تجارب مماثلة في اقليمنا بل العالم فلم
اجد مثيلا لما يحدث الآن في بلادنا من إسقاط للفرق وتغيير أرقامها بإعتبارها فرق الجيش الجديد للبلد (طبعا مكونة من جيش الجنجويد القبلي الغازي)
حتى تشاد التي شهدت حروبا شرسة للاستيلاء على السلطة لم يكن الهدف فيها أصلا تقويض الجيش الوطني في مدن البلاد كلها وإنما كان زحفا من أقصي شمال البلاد وصولا للسيطرة على السلطة في انجمينا
إذن إسقاط الجيش حامية حامية وفرقة فرقة هو ليس مشروع للاستيلاء على السلطة وإنما تقويض لهذه الدولة وجعلها تموج في الفوضى لسنوات وربما دارت حرب أخرى عبرجنود أمميين للقضاء على الجنجويد أنفسهم ثم تسلم البلاد المدمرة لشلة العملاء الذين لايعرفون إلا العيش بالإعانات والمعونات ومن ثم تصبح البلاد بلا قرار وربما قسمت وقطعت إلى دويلات
إن الدعوة لإسقاط الجيش بهذه الفرية (إنه جيش الكيزان) هي دعوة لتدمير الدولة..
ما أظنه أن حميدتي كان يريد السيطرة على السلطة بسبطرته على الخرطوم ودفعته جهات خارجية ليقوم بذلك وأن الأمر لايتعدى ساعات ثم ورطته بعد ذلك في فكرة غزو البلاد مدينة مدينة وقرية قرية وبيت بيت حتى تساهم هذه المرارات في التقسيم القادم
التاريخ والواقع حولنا يقول أن الدول التي تم تفكيك جيشها دخلت في دوامة حروب لم تتوقف وماشافوا عافية بعدها ونواصل
مشاركة الخبر علي :