صلاح الآباء وأثره على الخلف مذكور في الكتاب والسنة، وهو معلوم كذلك لدى الأمم والأديان من قبلنا،
فقد ورد في تفسير البغوي عن بقرة بني اسرائيل:
(أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وله عِجْلة أتى بها إلى غيضة، وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى تكبر، ومات الرجل، فصارت العجلة في الغيضة عوانا، وكانت تهرب من كل من رآها).
القصة طويلة، وختامها أن الله حفظ العجلة إلى أن كبرت وقدر الله ان يجعل شروط البقرة التي يراد شراءها وذبحها لتضرب ببعضها جثة القتيل مطابقة لسمات هذه البقرة، فتم بيعها بملء جلدها ذهبا!
إنه صلاح الأب، وقيل أيضاً إنه بر الابن بأمه الصالحة.
وهناك آية كريمة أخرى في سورة الكهف تجسد العنوان أكثر:
{فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} الكهف 77.
الحديث هنا عن نبي الله موسى والرجل الصالح ولعله الخضر عليهما السلام كما تفيد العديد من المصادر، وقد ابان الرجل الصالح/الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام لاحقا بأن:
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} 82.
قال الشيخ الشعراوي في تفسير هذه الآية:
إنها قرية لئيمة، ووجد العبد الصالح في القرية جدارا يريد أن يسقط وينقض فأقامه، واعترض موسى؛ لأن عنده حفيظة على أهل القرية فقد طلبا منهم طعاما فلم يطعموهما، وقال سيدنا موسى: إنك لو شئت لاتخذت عليه أجرا، لأن أهل القرية لئام، وما كان يصح أن تقيم لهم الجدار إلا إذا أخذت منهم أجرا.
لقد غاب عن موسى ما لم يغيبه الله سبحانه عن العبد الصالح،
ياترى لو أن الجدار وقع وهم لئام لا يطعمون من استطعمهم، ثم رأوا الكنز المتروك لليتامى المساكين، فلا بد أنهم سيغتصبون الكنز، لذلك أقمت الجدار حتى أواري الكنز عن هؤلاء اللئام، إذن فالعلة في هذه العملية هي الحماية لليتيمين، وتم بناء الجدار بحيث إذا بلغا الرشد ينهار ليأخذا الكنز، إنه توقيت إلهي أراده الله لأن والد اليتيمين كان صالحا (وذكر في بعض التفاسير أنه جدهما السابع)، وهذا الجد الوالد اتقى الله فيما تحت يده فأرسل الله له جنودا لا يعلمهم ولم يرتبهم ليحموا الكنز لولديه اليتيمين.
انه صلاح الآباء ياأحباب -وان علا في الأجداد- يكون له أثره الموجب على الأبناء والأحفاد، وقد ورد بأن سعيد بن المُسَيب رحمه الله قال: (إني لأصلي فأتذكر ولدي فأزيد في صلاتي)، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين اذ يقول: (رُويَ أن الإمام الشافعي لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلانًا يُغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم دَيْنًا، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه. وقال أبو سعيد الواعظ: لما قدِمتُ مصر بسنين طلبتُ منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيتُ جماعة من أحفاده وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل، فقلت: بلغ أثر الخير إليهم، وظهرت بركته عليهم).
انها معية الله وتسخيره لمن يسعى لنفعنا دون علمنا، وذاك لعمري يعزز في النفس اليقين بأن الرزق والتوفيق بيد الله، يجند لأجله جنوده الكُثُر وان كانوا أنبياء وصالحين، فيرزقنا من حيث لانحتسب...
حكى لي قريب لي في إحدى قرى الشمالية بأنه كان في القرية المجاورة لأهله أحد الطارئين عليها ولم يكن من أهلها، لكنه تزوج من القرية وأنجب عددا من البنات ولم يُرزق بولد، وكان الرجل فقيرا، وقد عهدت عنه الاستقامة والتدين، فتولى أمر مسجد القرية/الخلوة وكذلك الأذان للصلوات، وكان بيتهم من الصغر والضيق بمكان دون بقية دور القرية، ولم يكن لديه أرض يفلحها إنما كان يعمل اجيرا يفلح للناس أرضهم بمقابل مادي، ثم توفى الله الرجل، وبقيت البنات وامهن، وتخرجت كبرى البنات وعملت معلمة في المرحلة الابتدائية آنذاك، هذه الأسرة أصبحت من الثراء بمكان (فجأة)، وباعوا بيتهم الصغير في القرية وانتقلوا إلى العاصمة حيث ابتاعوا بيتا بجوار بيت أسرة قريبي هذا في أحد احياء العاصمة، وقدر لقريبي هذا ان يتزوج من هذه المعلمة، وعندما سألها عن سبب النعمة التي هبطت عليهم فجأة؛ قالت كانت هناك صخرة ناتئة في طرف قصي من بيتنا القديم، هذه الصخرة ظلت على حالها لعقود من قبل ان يأتي والدي إلى القرية ويتزوج الوالدة ويشتري هذا المنزل الصغير، وعندما كبرنا امتلأت بئر المرحاض فلزمنا حفر بئر جديدة، لكننا لم نجد من يحفرها لارتفاع التكلفة بسبب هذه الصخرة لكونها المكان الأوحد للبئر الجديدة، وظللنا نرتاد منازل الجيران لقضاء الحاجة لأشهر، ولك أن تتخيل الإحراج الذي كنا نشعر به لأجل ذلك ونحن بنات، فما كان منا جميعا إلا أن قررنا حفر البئر لوحدنا بعيد مغرب كل يوم كي لايشعر الجيران بذلك، خشية الاثقال عليهم بالمساهمة المالية او حتى بالمساعدة، وعندما وصل الحفر إلى منتصف البئر الجديدة؛ إذا بنا نجد عرقا من الذهب يزن الكثير.
إنها معية الله وحفظه يا أحباب، وليس بالضرورة أن يكون الأمر كنزا من الكنوز، فهناك الكثير من آلاء الله وعطاياه يدخرها لنا ويلهمنا للحصول عليها.
اعجبني ايراد متداول في القروبات قبل ايام يقول:
لنستشعر قول الله تعالى: {وتولّنا فيمن تولّيت} في الدعاء؟!
فقد تولى الله تعالى أمر يوسف عليه السلام فأحوج القافلة في الصحراء للماء ليخرجوه من البئر! ثم تولى ٲمره كذلك فأحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه!
ثم تولى أمره
فأحوج الملك لتفسير الرؤيا ليخرجه من السجن!
ثم تولى أمره أيضا ولكن هذه المرة أحوج مصر كلها للطعام ليصبح هو عزيز مصر!
إذا تولى الله أمرنا سخر لنا أسباب السعادة من حيث لاتحتسب...
اللهم تولنا فيمن تولّيت
اللهم ألق علينا محبة من عندك وبارك لنا في آلائك واجعلنا لك من المخبتين.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، ولاتحقق لليسار فيها غاية، ولاترفع لهم راية انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com
مشاركة الخبر علي :
صلاح الآباء وأثره على الخلف مذكور في الكتاب والسنة، وهو معلوم كذلك لدى الأمم والأديان من قبلنا،
فقد ورد في تفسير البغوي عن بقرة بني اسرائيل:
(أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل، وله عِجْلة أتى بها إلى غيضة، وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى تكبر، ومات الرجل، فصارت العجلة في الغيضة عوانا، وكانت تهرب من كل من رآها).
القصة طويلة، وختامها أن الله حفظ العجلة إلى أن كبرت وقدر الله ان يجعل شروط البقرة التي يراد شراءها وذبحها لتضرب ببعضها جثة القتيل مطابقة لسمات هذه البقرة، فتم بيعها بملء جلدها ذهبا!
إنه صلاح الأب، وقيل أيضاً إنه بر الابن بأمه الصالحة.
وهناك آية كريمة أخرى في سورة الكهف تجسد العنوان أكثر:
{فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} الكهف 77.
الحديث هنا عن نبي الله موسى والرجل الصالح ولعله الخضر عليهما السلام كما تفيد العديد من المصادر، وقد ابان الرجل الصالح/الخضر عليه السلام لموسى عليه السلام لاحقا بأن:
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} 82.
قال الشيخ الشعراوي في تفسير هذه الآية:
إنها قرية لئيمة، ووجد العبد الصالح في القرية جدارا يريد أن يسقط وينقض فأقامه، واعترض موسى؛ لأن عنده حفيظة على أهل القرية فقد طلبا منهم طعاما فلم يطعموهما، وقال سيدنا موسى: إنك لو شئت لاتخذت عليه أجرا، لأن أهل القرية لئام، وما كان يصح أن تقيم لهم الجدار إلا إذا أخذت منهم أجرا.
لقد غاب عن موسى ما لم يغيبه الله سبحانه عن العبد الصالح،
ياترى لو أن الجدار وقع وهم لئام لا يطعمون من استطعمهم، ثم رأوا الكنز المتروك لليتامى المساكين، فلا بد أنهم سيغتصبون الكنز، لذلك أقمت الجدار حتى أواري الكنز عن هؤلاء اللئام، إذن فالعلة في هذه العملية هي الحماية لليتيمين، وتم بناء الجدار بحيث إذا بلغا الرشد ينهار ليأخذا الكنز، إنه توقيت إلهي أراده الله لأن والد اليتيمين كان صالحا (وذكر في بعض التفاسير أنه جدهما السابع)، وهذا الجد الوالد اتقى الله فيما تحت يده فأرسل الله له جنودا لا يعلمهم ولم يرتبهم ليحموا الكنز لولديه اليتيمين.
انه صلاح الآباء ياأحباب -وان علا في الأجداد- يكون له أثره الموجب على الأبناء والأحفاد، وقد ورد بأن سعيد بن المُسَيب رحمه الله قال: (إني لأصلي فأتذكر ولدي فأزيد في صلاتي)، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين اذ يقول: (رُويَ أن الإمام الشافعي لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلانًا يُغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم دَيْنًا، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه. وقال أبو سعيد الواعظ: لما قدِمتُ مصر بسنين طلبتُ منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيتُ جماعة من أحفاده وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل، فقلت: بلغ أثر الخير إليهم، وظهرت بركته عليهم).
انها معية الله وتسخيره لمن يسعى لنفعنا دون علمنا، وذاك لعمري يعزز في النفس اليقين بأن الرزق والتوفيق بيد الله، يجند لأجله جنوده الكُثُر وان كانوا أنبياء وصالحين، فيرزقنا من حيث لانحتسب...
حكى لي قريب لي في إحدى قرى الشمالية بأنه كان في القرية المجاورة لأهله أحد الطارئين عليها ولم يكن من أهلها، لكنه تزوج من القرية وأنجب عددا من البنات ولم يُرزق بولد، وكان الرجل فقيرا، وقد عهدت عنه الاستقامة والتدين، فتولى أمر مسجد القرية/الخلوة وكذلك الأذان للصلوات، وكان بيتهم من الصغر والضيق بمكان دون بقية دور القرية، ولم يكن لديه أرض يفلحها إنما كان يعمل اجيرا يفلح للناس أرضهم بمقابل مادي، ثم توفى الله الرجل، وبقيت البنات وامهن، وتخرجت كبرى البنات وعملت معلمة في المرحلة الابتدائية آنذاك، هذه الأسرة أصبحت من الثراء بمكان (فجأة)، وباعوا بيتهم الصغير في القرية وانتقلوا إلى العاصمة حيث ابتاعوا بيتا بجوار بيت أسرة قريبي هذا في أحد احياء العاصمة، وقدر لقريبي هذا ان يتزوج من هذه المعلمة، وعندما سألها عن سبب النعمة التي هبطت عليهم فجأة؛ قالت كانت هناك صخرة ناتئة في طرف قصي من بيتنا القديم، هذه الصخرة ظلت على حالها لعقود من قبل ان يأتي والدي إلى القرية ويتزوج الوالدة ويشتري هذا المنزل الصغير، وعندما كبرنا امتلأت بئر المرحاض فلزمنا حفر بئر جديدة، لكننا لم نجد من يحفرها لارتفاع التكلفة بسبب هذه الصخرة لكونها المكان الأوحد للبئر الجديدة، وظللنا نرتاد منازل الجيران لقضاء الحاجة لأشهر، ولك أن تتخيل الإحراج الذي كنا نشعر به لأجل ذلك ونحن بنات، فما كان منا جميعا إلا أن قررنا حفر البئر لوحدنا بعيد مغرب كل يوم كي لايشعر الجيران بذلك، خشية الاثقال عليهم بالمساهمة المالية او حتى بالمساعدة، وعندما وصل الحفر إلى منتصف البئر الجديدة؛ إذا بنا نجد عرقا من الذهب يزن الكثير.
إنها معية الله وحفظه يا أحباب، وليس بالضرورة أن يكون الأمر كنزا من الكنوز، فهناك الكثير من آلاء الله وعطاياه يدخرها لنا ويلهمنا للحصول عليها.
اعجبني ايراد متداول في القروبات قبل ايام يقول:
لنستشعر قول الله تعالى: {وتولّنا فيمن تولّيت} في الدعاء؟!
فقد تولى الله تعالى أمر يوسف عليه السلام فأحوج القافلة في الصحراء للماء ليخرجوه من البئر! ثم تولى ٲمره كذلك فأحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه!
ثم تولى أمره
فأحوج الملك لتفسير الرؤيا ليخرجه من السجن!
ثم تولى أمره أيضا ولكن هذه المرة أحوج مصر كلها للطعام ليصبح هو عزيز مصر!
إذا تولى الله أمرنا سخر لنا أسباب السعادة من حيث لاتحتسب...
اللهم تولنا فيمن تولّيت
اللهم ألق علينا محبة من عندك وبارك لنا في آلائك واجعلنا لك من المخبتين.
اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، ولاتحقق لليسار فيها غاية، ولاترفع لهم راية انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com
مشاركة الخبر علي :