يعد التعليم الركيزة الأساسية لبناء الأمم ونهضتها، وفي السودان، حيث تركت الحرب بصماتها العميقة على مختلف جوانب الحياة، يبقى التعليم أملًا ومنارة لتحقيق مستقبل أفضل. في مرحلة ما بعد الحرب، تبرز الحاجة إلى إعادة تشكيل نظام التعليم ليواكب التحديات الجديدة ويحقق تطلعات الشعب السوداني نحو التنمية والازدهار.

**رؤية وطنية شاملة**

تعتمد الرؤية الوطنية للتعليم في السودان بعد الحرب على إعادة التفكير في الأهداف الأساسية للتعليم ودوره في بناء المجتمع. فالتعليم يجب ألا يكون مجرد أداة لتلقين المعرفة، بل وسيلة لتكوين أجيال قادرة على التفكير النقدي والإبداع، وقادرة على المساهمة الفعالة في نهضة البلاد. تستند الرؤية الوطنية للتعليم إلى أسس الشمولية والاستدامة والمرونة، بحيث تتبنى التعليم كحق للجميع، دون تمييز بين الجنس أو المنطقة، مع التركيز على تمكين الأفراد والمجتمعات من مواجهة التحديات المعاصرة.

**تغيير حقيقي في نظام التعليم**

التغيير المطلوب في نظام التعليم يتجاوز الإصلاحات السطحية، فهو يتطلب تحولًا جذريًا في المناهج التعليمية وأسلوب التدريس. ينبغي أن يركز التعليم في السودان على تعزيز القدرات الفردية والجماعية، وتطوير المهارات الحياتية والعملية. على المؤسسات التعليمية أن تصبح بيئة تشجع على الابتكار والتجريب، من خلال إدخال طرق تدريس حديثة، وتطوير مناهج تعزز التفكير النقدي والتحليلي.

كما يجب أن تكون الإدارة التعليمية أكثر كفاءة وشفافية، بحيث تتضمن المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير التعليم، وتوجيه الاستثمارات نحو تحسين البنية التحتية التعليمية وتوفير بيئة مناسبة للتعلم.

**توجيه التعليم نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية**

التعليم بعد الحرب يجب أن يكون أداة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية للسودان، التي تشمل التنمية الاقتصادية، الاستقرار السياسي، والعدالة الاجتماعية. لتحقيق ذلك، يجب أن يتم توجيه التعليم ليكون متسقًا مع احتياجات الدولة والمجتمع، مع التركيز على التخصصات التي تساهم بشكل مباشر في التنمية الوطنية. من هذا المنطلق، يمكن إعادة تصميم المناهج لتشمل تعليمًا مرتبطًا بالتحديات المحلية، مثل الزراعة والصناعة، إلى جانب التحديات العالمية مثل التكنولوجيا الحديثة والعلوم البيئية.

**التعليم التقني: طريق نحو التنمية**

في ظل التطورات التكنولوجية السريعة، يبرز التعليم التقني كأحد أهم محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. السودان بحاجة إلى تبني سياسات تعليمية تشجع على التعليم التقني، وتوفير الدعم اللازم لإنشاء مراكز متخصصة في هذا المجال. التعليم التقني لا يقتصر على التكنولوجيا الرقمية فقط، بل يشمل التدريب على المهارات الفنية والصناعية التي تلبي احتياجات سوق العمل المتنامي.

تطوير التعليم التقني يساهم في تخريج كوادر مؤهلة تلبي احتياجات السوق المحلي والإقليمي، كما يعزز من قدرة البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات الحيوية، مثل الصناعات التحويلية، والطاقة، والبنية التحتية.

**تطوير التعليم الحرفي والصناعي**

التعليم الحرفي والصناعي يمثل جانبًا مهمًا في الرؤية الوطنية للتعليم بعد الحرب. فالسودان يمتلك ثروات طبيعية وموارد بشرية ضخمة، لكن الاستفادة منها تتطلب قوى عاملة ماهرة قادرة على تحويل هذه الموارد إلى منتجات ذات قيمة مضافة. لذلك، يجب تطوير التعليم الحرفي والصناعي ليكون جزءًا أساسيًا من النظام التعليمي في السودان.

تطوير التعليم الحرفي لا يعني فقط توفير التدريب المهني، بل يتطلب تغيير النظرة المجتمعية لهذه المهن، والاعتراف بأهميتها في تحقيق التنمية. يجب أن يتم توفير مسارات تعليمية مرنة تمكن الطلاب من التخصص في المجالات الحرفية والصناعية، مع توفير الدعم المالي واللوجستي اللازم لتطوير قدراتهم.

**نحو مستقبل مشرق**

إن التعليم هو المحرك الأساسي لتحقيق الرؤية الوطنية للسودان بعد الحرب. من خلال إعادة هيكلة النظام التعليمي وتوجيهه نحو التعليم التقني والحرفي، يمكن للسودان أن يبني مستقبلًا مشرقًا يتمتع فيه الجميع بالفرص المتساوية للتعلم والعمل. تظل منارة التعليم مضيئة في سماء السودان، ترشد الأمة نحو التقدم والتنمية، وتحقق حلم الأجيال القادمة في حياة أفضل ومستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

م. أحمد محمد الغالي

   

مشاركة الخبر علي :