
دكتورة سعاد فقيري تكتب الخرطوم بعد التحرير
بقلم د.سعاد فقيري
الخرطوم بعد التحرير
تصور متكامل لإعادة الإعمار وبناء السلام المستدام"
مقدمة :
تمثل العاصمة السودانية الخرطوم القلب السياسي والثقافي والإداري للبلاد، وقد عانت دمارًا واسعًا خلال الحرب التي مزقت السودان.
ومع إعلان تحرير الخرطوم، تبرز لحظة تاريخية لإعادة تأسيس المدينة ليس فقط عمرانياً، بل كمركز للسلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
يستند هذا المقال إلى تصور متكامل لإعادة إعمار الخرطوم ضمن إطار تنموي-سياسي يراعي أولويات الأمن، العدالة، المشاركة، والكرامة الإنسانية.
أولاً: قراءة في واقع ما بعد التحرير
- حجم الدمار:
تعرضت الخرطوم لدمار ممنهج في البنية التحتية، المرافق العامة، المؤسسات التعليمية والصحية، والأحياء السكنية. بعض المناطق تحولت إلى أنقاض بالكامل، مع نزوح آلاف السكان وفقدانهم لمقومات الحياة.
- الوضع الإنساني:
تعاني العاصمة من انهيار الخدمات الأساسية (مياه، كهرباء، صحة)، وارتفاع معدلات النزوح، وسوء التغذية، مع تزايد حالات العنف والنهب.
- التحديات السياسية:
تفتقر العاصمة لسلطة مدنية مستقرة، وسط مراكز أمنية وتعقيد في مشهد السيطرة بين الأطراف المسلحة السابقة.
ثانياً: الإطار النظري لإعادة الإعمار
يبحث المقال على مفاهيم إعادة الإعمار التحويلي التي ترى أن الإعمار لا يقتصر على إعادة ما تهدم، بل على بناء نظم جديدة أكثر عدلاً واستدامة.
- تجارب مقارنة:
رواندا بعد الإبادة: العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية.
بيروت بعد الحرب الأهلية: تحديات الفساد والملكية.
كابول: فشل الإعمار دون استقرار سياسي.
ثالثاً: الركائز الاستراتيجية لإعادة إعمار الخرطوم
1. الركيزة الأمنية والقانونية :
نزع السلاح من الميليشيات والمواطنين.
إعادة بناء جهاز شرطة مدني بمهنية وشفافية.
إنشاء آليات عدالة انتقالية تشمل المحاسبة وجبر الضرر.
2. الركيزة العمرانية والخدمية :
تقييم الأضرار عبر لجان فنية مستقلة.
إعادة تأهيل شبكات المياه، الكهرباء، والمرافق الصحية.
تخطيط عمراني جديد يشمل مساكن جماعية مؤقتة ومستدامة.
3. الركيزة الاقتصادية :
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
توظيف النازحين والعاطلين في برامج "النقد مقابل العمل".
جذب استثمارات بإطار قانوني يضمن الشفافية وعدم الإقصاء.
4. الركيزة السياسية والمؤسسية :
إحياء الحكم المحلي عبر انتخابات حرة لمجالس العاصمة.
إشراك المجتمع المدني في رسم أولويات الإعمار.
إصلاح مؤسسات الدولة لضمان الشفافية.
5. الركيزة الاجتماعية والثقافية
تنظيم مبادرات للمصالحة المجتمعية.
إعادة إحياء الفضاءات الثقافية والتعليمية.
إنشاء معالم رمزية توثق الحرب وتكرّم ضحاياها.
رابعاً: آليات التنفيذ والتمويل
دور الحكومة الانتقالية: تبني رؤية واضحة بإرادة سياسية شاملة.
دور الشركاء الدوليين: عبر دعم تقني ومالي مشروط بالشفافية.
حوكمة التمويل: عبر لجنة رقابة مستقلة تضم ممثلين عن المجتمع المدني والجهات الرقابية.
خامساً: توصيات عملية
على المدى العاجل:
إعلان خطة طوارئ لإغاثة العاصمة.
تشكيل مجلس تنسيقي لإعادة الإعمار بمشاركة واسعة.
على المدى المتوسط:
إعداد خطة عمرانية شاملة بمشاركة مجتمعية.
إصلاح مؤسسات الحكم المحلي.
على المدى البعيد:
تحويل الخرطوم إلى نموذج للعدالة والمواطنة.
تبني ميثاق وطني لإعمار العاصمة يضمن الشفافية والمساءلة.
خاتمة :
تحرير الخرطوم ليس نهاية الحرب، بل بداية معركة جديدة من أجل البناء والسلام.
إن إعادة إعمار العاصمة ليست مجرد عملية هندسية، بل مشروع وطني جامع يعكس إرادة السودانيين في النهوض من الركام نحو مستقبل يستحقونه.
مشاركة الخبر علي :