
الدكتور إبراهيم شقلاوي يكتب الدبيبات المدينة التي احبها أبي
الدبيبات المدينة التي احبها ابي .
إبراهيم شقلاوي
تحمل مدينة الدبيبات في ولاية جنوب كردفان مكانة خاصة في الوجدان السوداني ، وهي بالنسبة للبعض ليست مجرد موقع استراتيجي ضمن خارطة الحرب ، بل رمز لعلاقات إنسانية مميزة وذكريات شخصية مترسخة، كما هو الحال مع ابي – رحمه الله عليه – الذي كثيرًا ما كان يحدثني عن هذه المدينة خلال سنوات عمله في وقاية النباتات و الإرشاد الزراعي .
كانت الدبيبات واحدة من اهم ثلاث مدن عمل فيها ظلت في الذاكرة كما انها من المحطات التي مرّ بها ضمن تنقلاته في البادية السودانية ، حيث قضى وقتًا في تقديم الدعم للمزارعين ومكافحة الآفات الزراعية. كانت هذه المهام كما يصفها تفاعلاً اجتماعياً وثقافياً مع المجتمعات الريفية والتي قال عنها أنها وفية والمضيافة ومحب للعابرين .
اليوم، تعود الدبيبات إلى الواجهة، ليكتمل بها الفرح ليس فقط من زاوية الحنين الشخصي، ولكن عبر مشهد سياسي وأمني متداخل يتقاطع فيه البعد العسكري بالبعد الاجتماعي والوجداني . فقد أعلنت القوات المسلحة السودانية، بقيادة العميد نبيل عبد الله، استعادة السيطرة الكاملة على المدينة بعد معارك وصفت بـ"الشرسة"، أدت إلى إلحاق خسائر فادحة بالمتمردين. التحرير جاء في سياق حملة عسكرية أوسع تهدف إلى استعادة زمام المبادرة في جنوب كردفان، وإنهاء حالة الحصار التي خيمت على الإقليم لأكثر من عامين.
سياسيًا، تمثل الدبيبات نقطة استراتيجية محورية. فهي ليست فقط ملتقى طرق يربط شمال وغرب وجنوب كردفان، بل تُعد بوابة العبور إلى الجنوب كله، وهو ما يجعلها حاسمة في قطع طرق الاتصال و الإمداد للمجموعات المتمردة، خاصة تلك المرتبطة بعبد العزيز الحلو. كما أن بسط السيطرة عليها يمهّد الطريق لعمليات لاحقة نحو أبو زبد، النهود، وبارا، مما يعزز فرص استقرار أمني أوسع في الإقليم.
لكن أهمية الدبيبات لا تقتصر على الخرائط وخطوط الإمداد . فهي نموذج مصغّر للتفاعل بين الجغرافيا والوجدان، بين الحرب والذاكرة، بين التطلعات التنموية والواقع العسكري. تحرير المدينة يحمل رسالة أمل بأن تعود الحياة إلى طبيعتها في كردفان الكبري ، وأن تستعيد المجتمعات المحلية دورها في بناء السودان واستعادة الامن واللحمة الاجتماعية بعيدًا عن افرازات الخرب .
إن استعادة المدن بحانب انها انتصارات عسكر هي أيضًا فرص لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن. ويبقى الأمل أن تتحول المعارك من ميادين القتال إلى طاولات التنمية، وأن تعود الدبيبات، كما عهدها والدي، مدينة للوفاء والعمل والذكريات النضرة والاحترام المتبادل.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 23 مايو 2025م. Shglawi55@gmail.com
مشاركة الخبر علي :