
المستشار / الجيلي ابوالمثني يكتب: نسائم مولد النبي المختار
من وحي مقال البروفيسور العالم الفقيه د/ابشر حسين محمد احمد كبير استشاري المخ والأعصاب والباطنيّة في السودان حلق بنا البروف في مقاله ادناه في سماء المحبة النبوية الشريفة محبة النبي ﷺ التي تجري في دماء أهل السودان مجري الدمِ في العروق محبتاً خالصة صادقة نابعة من القلوب نشأت عليها الأجيال تِباعاً محبة تُترجم بتغير الحال الذي لاحظه البروف في تعابير وجه والده وأعمامه في حضرة الذكر في خيام المولد وساحاتها في تلك البقعة المباركة ام درمان التي نُصبت فيها تلك الخيام منذ مئات السنين
ومازالت تَجسد ذلك المعني الذي رسخ في الأذهان منذ الصغر تربيتاً روحيةً عميقة أورثناها أطفالنا الذين تشبعوا بها وتُترجم بسؤلهم المعهود عن قدوم شهر المولد الجديد وهم في شهر ربيع الثاني ان دل ذلك إنما يدلُ علي التعلق بأيام المولد الأحد عشر يوماً التي تمتاز بالزخم والفرح والسرور والبهجة التي تدخل في نفوسهم وهم يستمتعون بالقدوم والرواح يومياً الي الساحات والخيام مُتنقلين بينها كالفراشات فوق الزهور يعشقون النبي من ساحات المولد وحلوي المولد وذكر المولد وكل التفاصيل التي يعيشونها تكون شاهداً راسخناً في اذهانهم الي ان يكبروا وقد تملكهم حب الحبيب ﷺ كما سرد البروف عن طفولته
قائلاً:
للاحتفال بالمولد النبوي طعمٌ خاص في أم درمان، وذكريات ممتعة من فترة الطفولة رسّخت في أنفسنا مشاعر وأحاسيس، كان لها واقعٌ مفعم بالمعرفة والمحبة للسيرة النبوية.
* ها هي اليوم ساحات الاحتفالات تشهد احتفال هذا العام بعد انقطاع دام عامين عجاف تفككت فيها أوصال الشعب السوداني وذاق الآمرين مُتنقل في تسفار بين البلدان سائحاً في ارض الله الواسعة حتي منيّ عليهم الله عزوجل بالنصر المُبين الذي حققه جيشهم الباسل عنوةً واقتدار حُمرة عين بعد اعانة الله ووقفت الشعب الصلبة والتفافه حول خاصرة الجيش مما ادهش العالم وأحدث نقطة تحول كبيرة في المسار العسكري والسياسي وأثر بالغ في رسم خارطة طريق السودان الجديد الذي يُمثل قلب أفريقيا النابض ومركز قوتها العسكرية الكبري ، ها هي خيام المولد تُرفرف إعلامها في عنان السماء مُعلنة بداية مراسم الاحتفائية بعد أيام قلائل تفصلنا عن شهر ربيع اول ١٤٤٧هه هذا العام الذي ارتبطت به تحولات تاريخيّة في حياة البروف كما تابع السرد قائلاً :
شخصيًا، كان لهذا الاحتفال أثرٌ بالغ في عودتي لجادة الطريق. كان هناك شعور لا يوصف بالفرح ونحن نعدّ الأيام ترقّبًا لقرب المولد، ولا زلت أذكر ذهابي يوميًا، في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، مع والدي –رحمه الله– قبل صلاة المغرب. كنا نذهب مشيًا على الأقدام من منزلنا في خور أبو عنجة، مرورًا بشارع الفيل، حتى نصل إلى البلدية.
كان والدي يفضل دائمًا دخول ميدان المولد من البوابة الجنوبية، الواقعة بين بيت الخليفة ودار حزب الأمة –وهي الآن سوق يُعرف بسوق الزلعة– حيث كان الباعة يعرضون الساندويتشات والسلطات، خاصة سلطة الروب، والمشروبات مثل الليمون البارد والكركديه.
كنا ندخل ساحة المولد مع أذان المغرب، وكان والدي حريصًا على أداء الصلاة في خيمة السادة الختمية. وبعد الصلاة، نحضر جلسات المناقب، حيث تُقرأ السيرة النبوية. ونحن صغار، لم نكن قد بلغنا السادسة من العمر، لكننا عرفنا كيف وُلد الرسول ﷺ، ومن حضر ولادته من النساء (قالت الشفاء: شافت روما)، وماذا حدث لنار المجوس، والأصنام، والبحيرة، وكيف وُلد مختونًا، وكيف فرح به الكون والملائكة، وكيف احتفل عمه أبو لهب بمولده بعتقه للجارية التي بشّرته بولادة النبي ﷺ.
عرفنا كيف عاش يتيمًا، ومن أرضعته، وقصة شق صدره، والبركة التي حلت على أسرة السيدة حليمة، وكيف كان الحجر يخاطبه. هذا السرد الجميل للسيرة النبوية في المولد كان له الأثر العميق في نفوسنا ونحن صغار، وساهم في تشكيل وعينا ونحن كبار.
بعد فترة من الجلوس نستمع للمديح:
"يا رب بهم وبأهلهم عجل بالنصر والفرجِ"
كنت أنظر إلى وجه "حفار" المليء بالبهجة والسرور.
ثم نتوجه إلى خيمة السادة الإدريسية، حيث نمكث بعض الوقت نستمتع بالأجواء الروحانية. وكيف لا، ونحن في حضرة آل البيت، الذين قال فيهم رسول الله ﷺ:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي."
بعد ذلك، كنا نخترق خيمة الأنصار، ثم خيمة الحكومة، وخيمة البرهانية، ونتوجه إلى خيمة الشيخ عبد الله الحاج. وكان والدي يستمتع بمديح القادرية، عرفت ذلك حين كبرت، وبدأت اتذكر انفعالات وجهه وهو يستمع إلى:
"مين مثل الريح؟"
وأنا صغير، كنت أندهش لانفعالات الدراويش في حلقة ناس الرابطة، خاصة وأنا أشاهد أعمامي: يوسف عبد الله، وعبد الله الطيب، وهم في حالة من الجذب لم أفهم معناها إلا عندما كبرت.
لا أنسى عشاء المولد، الذي كان يتكون من السريد (العيش والرز واللحم الفاخر)، ويعقبه كوب شاي "مدنكَلَة". وعند العودة للبيت، كان والدي –بإمكاناته المتواضعة– يشتري لنا حلاوة المولد، لي ولإخواني. ولا زلت أذكر "السمسمية" وحلاوة المولدعلى شكل حصان، التي كان ينتهي بها المطاف داخل قالب "كاستر" بعد أن تُعرض في فترينة أمي لعدة أسابيع.
كلما أسمع رائعة المجذوب "ليلة المولد"، التي يصدح بها الكابلي بصوته الفخيم، يمر أمامي شريط من الذكريات... شعور بالبهجة، والفرح، ونحن نُعبر عن حبّنا لرسول الله ﷺ.
أغتنم هذه الفرصة لأترحم على روح والدي، الذي منحني هذه الذكرى الغالية، برفقته الجميلة خلال أيام المولد، وأتذكر تعابير وجهه، ودموعه التي فضحته وهو يستمع لقصائد: حياتي، وود المكّاوي، وأبو شريعة، وود سعد، وقدورة، وود تميم، وأبو كساوي، وحاج الماحي...
التحية لكل محبي المصطفى ﷺ.
بروف أبشر حسين
مشاركة الخبر علي :