
د.سعاد فقيري تكتب: الاستثمار في التعليم التقني: طريق لاستيعاب الفاقد التربوي بعد الحرب في السودان
مقدمة:
الحروب لا تترك خلفها دمارًا في البنية التحتية فحسب، بل تصنع أيضًا فاقدًا تربويًا هائلًا يتمثل في آلاف الأطفال والشباب الذين انقطعوا عن التعليم، أو فاتهم العمر المدرسي، أو اضطروا للعمل المبكر. وفي السودان، بعد الحرب الأخيرة، تضاعفت هذه المشكلة حتى أصبحت أزمة وطنية تهدد مستقبل التنمية والاستقرار.
الحل لا يكمن في إعادة إدماج هؤلاء فقط في المدارس التقليدية.
بل في مشروع وطني للتعليم التقني والتدريب المهني يستوعبهم، ويحوّلهم إلى قوة إنتاجية فاعلة.
الفاقد التربوي: أرقام ومعضلات
آلاف الطلاب فقدوا سنوات دراسية كاملة بسبب النزوح وفقدان المدارس.
العديد من الأسر غير قادرة على إعادة أبنائها للتعليم الأكاديمي بسبب الكلفة والظروف الاقتصادية.
سوق العمل نفسه لا يحتاج مزيدًا من الشهادات النظرية بقدر حاجته لليد العاملة الماهرة والتقنية.
هذا يفتح الباب أمام سؤال: كيف نستثمر هذا الفاقد بدلًا من أن يتحول إلى بطالة أو تهديد أمني واجتماعي؟
التعليم التقني كحل استراتيجي
1. الاستيعاب السريع: برامج تدريب قصيرة ومتوسطة الأمد تستوعب آلاف الشباب خارج النظام التعليمي التقليدي.
2. التأهيل لسوق العمل: توفير مهارات عملية (صيانة، زراعة حديثة، كهرباء، ميكانيكا، تكنولوجيا معلومات) بدلًا من تراكم الشهادات النظرية.
3. التوزيع الجغرافي: إقامة مراكز تدريب مهنية في الأقاليم لتقليل النزوح نحو الخرطوم، وربط التنمية بمناطق الإنتاج.
4. إدماج المرأة: تخصيص مسارات تدريب للفتيات (مثل الخياطة، الحرف، البرمجة، الزراعة الصغيرة) لتمكينهن اقتصاديًا بعد فقدان المعيل.
5. إعادة الثقة في الدولة: عندما يرى الشباب أن الحكومة توفر لهم مهارات وفرصًا، تتقلص فرص انجرافهم نحو الهجرة غير الشرعية أو الانخراط في النزاعات.
دروس من رواندا بعد النزاعات القبلية
رواندا في التسعينيات واجهت كارثة شبيهة: آلاف الشباب بلا مدارس.
الحل كان عبر ثورة تعليمية تقنية:
إنشاء معاهد مهنية منتشرة في الأقاليم.
ربط التعليم بالإنتاج الزراعي والصناعي.
إدماج المرأة في كل برامج التدريب.
شراكات مع المنظمات الدولية لتمويل التدريب والبنية التحتية.
النتيجة: رواندا اليوم من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا.
خطوات تخطيطية مقترحة للسودان
1. مسح وطني للفاقد التربوي: تحديد الأعداد والأعمار والمناطق.
2. خطة طوارئ تعليمية: برامج تدريب قصيرة لإعادة إدماج من فاتهم التعليم.
3. إنشاء مراكز للتدريب المهني في كل ولاية، بميزانية مشتركة بين الحكومة والمنظمات.
4. إصلاح المناهج التقنية وربطها بخطط إعادة الإعمار (البناء، الكهرباء، الزراعة، الصناعة).
5. حملات إعلامية لتغيير النظرة الاجتماعية للتعليم الفني.
6. شراكات دولية: الاستفادة من التجارب والدعم المقدم من الاتحاد الإفريقي والبنك الدولي.
خاتمة:
إعادة إعمار السودان لا تبدأ بالإسمنت والطرقات فقط، بل بالإنسان.
الاستثمار في التعليم التقني والتدريب المهني هو المفتاح لاستيعاب الفاقد التربوي.
وتحويل أزمة الحرب إلى فرصة لإطلاق جيل جديد من المنتجين.
إنه ليس خيارًا ثانويًا، بل خطة إنقاذ وطنية تضع السودان على طريق التنمية المستدامة، تمامًا كما فعلت رواندا بعد نزاعاتها.
مشاركة الخبر علي :