
د.سعاد فقيري تكتب: اجتماع السفارة السودانية والمجلس الأعلى للجالية:
بين بشريات الإصلاح وإخفاقات التعليم
في خطوة تعكس حرص السفارة السودانية بالقاهرة على التواصل مع أبناء الجالية، انعقد اجتماع مشترك بين طاقم السفارة والقنصلية برئاسة السفير الفريق أول ركن عماد عدوي، والمجلس الأعلى للجالية السودانية في مصر.
الاجتماع حمل بين طياته العديد من البشريات والإيجابيات التي لاقت ترحيباً واسعاً وسط الجالية، لكنه في ذات الوقت أعاد إلى السطح أزمة التعليم والطلاب السودانيين الذين طال انتظارهم دون أن يروا بارقة أمل بعد.
الإيجابيات والإنجازات المعلنة
معالجة الإقامات:
الإعلان عن تقليص فترة إنجاز معاملات الإقامة إلى أسبوعين كحد أقصى، على أن تبدأ صلاحيتها من تاريخ استلامها.
التسهيلات الأمنية:
تقليص زمن إصدار الموافقات الأمنية إلى ثلاثة أيام فقط بعد استكمال الإجراءات.
التعليم العام:
السماح بتسجيل طلاب المدارس السودانيين في المؤسسات التعليمية المصرية حتى قبل استخراج الإقامة.
التعليم العالي: بشريات بإعادة الرسوم الجامعية إلى ما كانت عليه بصورة تدريجية.
الخدمات الصحية: إطلاق مبادرة لعلاج مرضى أورام السرطان مجاناً على غرار مجانية علاج الفشل الكلوي.
التسهيلات القانونية: اعتماد خطابات السفارة بديلاً عن العقود الموثقة، وتسهيل استخراج بطاقات الإعفاء من الإقامة.
هذه القرارات، إذا ما طُبّقت على أرض الواقع، تمثل انفراجاً نسبياً لمشاكل الجالية السودانية، وتسهم في تعزيز الثقة بين المؤسسات الرسمية والجالية.
الإخفاقات والملفات العالقة
رغم كل هذه الخطوات، ظل ملف الطلاب السودانيين الدارسين في مصر، وخاصة طلاب الكليات الطبية، جرحاً مفتوحاً لم تتم معالجته بعد.
فقد مرّت سنوات من الانتظار دون الحصول على ترخيص مزاولة المهنة المؤقت، مما أضاع على المئات منهم سنوات دراسية وعملية كان يمكن أن تسهم في خدمة بلادهم ومجتمعهم.
الطلاب وجدوا أنفسهم بين مطرقة الروتين والوعود غير المنجزة، وسندان واقع مأساوي يتمثل في ضياع مستقبلهم المهني.
كان من المنتظر أن يحظى هذا الملف بالأولوية القصوى في أي اجتماع يجمع السفارة والسلطات المصرية، لكنه لم يُعالج بالشكل المطلوب، وظل مجرد حلم مؤجل.
قراءة تحليلية
الاجتماع بلا شك خطوة في الاتجاه الصحيح من حيث إزالة التعقيدات الإدارية وتسهيل المعاملات، إلا أن غياب رؤية واضحة لحل أزمة التعليم الجامعي والمهني يعكس قصوراً في ترتيب الأولويات.
فالمجتمع السوداني في مصر، الذي يشكل الطلاب نسبة كبيرة من نسيجه، يحتاج إلى قرارات عملية تحفظ مستقبله التعليمي والمهني.
إن أي إنجازات في مجال الإقامة أو العلاج أو الرسوم ستظل ناقصة إذا لم تُعالج قضية الطلاب بشكل جذري، لأن ضياع سنوات الشباب العلمية لا يُعوض، ولأن التعليم هو الاستثمار الحقيقي في رأس المال البشري.
خاتمة
الاجتماع الأخير بين السفارة والمجلس الأعلى للجالية السودانية في مصر حمل بشريات لا يُستهان بها، لكنه في ذات الوقت كشف عن ثغرة كبيرة في ملف التعليم الذي ما زال عالقاً بين الوعود والتأجيل.
لذلك فإن المطلوب اليوم ليس المزيد من التطمينات، بل قرارات حاسمة تضمن للطلاب السودانيين في مصر حقوقهم الأكاديمية والمهنية، حتى لا يظل مستقبلهم رهينة الأحلام.
مشاركة الخبر علي :