
د.سعاد فقيري تكتب: آليات إصلاح التعليم السوداني وأزمة المدارس السودانية بمصر: نحو رؤية موحدة
يُعد إصلاح التعليم في السودان من أهم أولويات المرحلة القادمة، نظرًا لدوره المحوري في بناء الإنسان، وتعزيز التنمية، وإعادة اللحمة الوطنية بعد سنوات الحرب والأزمات.
ويحتاج هذا الإصلاح إلى آليات واضحة وممنهجة تجعل النظام التعليمي قادرًا على مواكبة العصر الحديث وفي الوقت نفسه يحافظ على الهوية الوطنية.
لكن في ظل الحديث عن إصلاح التعليم داخل السودان، برزت أيضًا أزمة المدارس السودانية بالخارج، خصوصًا في جمهورية مصر العربية حيث تقيم أكبر جالية سودانية.
فقد شهدت السنوات الماضية انتشار مدارس غير معتمدة، وإغلاق مدارس أخرى، إلى جانب طباعة المناهج خارج إطار الوزارة، بل وتدخل أفراد لا علاقة لهم بالعملية التعليمية.
كل ذلك جعل مستقبل أبناء الجالية مهددًا بالتشتت والضياع.
أولًا: آليات إصلاح التعليم في السودان
الإصلاح الشامل يتطلب:
1. تحديث المناهج الدراسية بإدخال مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي والمهارات الرقمية.
2. التدريب المستمر للمعلمين عبر برامج حضورية ورقمية.
3. إدماج التكنولوجيا في التعليم ببنية تحتية حديثة ومنصات تعليمية إلكترونية.
4. إصلاح نظام التقييم ليقيس الإبداع والفهم بدلًا من الحفظ.
5. اللامركزية في الإدارة التعليمية لمنح المدارس مرونة في تلبية احتياجاتها.
6. توفير تمويل مستدام من الحكومة والقطاع الخاص.
7. تشجيع البحث العلمي والتعليم المهني لربط التعليم بسوق العمل.
8. إنشاء نظام متابعة وتقييم شامل يراقب جودة التعليم.
هذه الآليات إذا ما نُفذت بصرامة، ستحدث نقلة نوعية في النظام التعليمي السوداني.
ثانيًا: أزمة المدارس السودانية بمصر
انعكست مشاكل التعليم في الداخل على وضع مدارس الجالية بالخارج. ففي مصر مثلًا:
بعض المدارس أُغلقت بشكل عشوائي.
أخرى تُدار من أفراد غير متخصصين.
المناهج تطبع خارج السودان بلا رقابة.
السفارة السودانية لم تمارس دورها الرقابي الكافي.
هذا الوضع أوجد فوضى وأضر بمستقبل آلاف الطلاب السودانيين.
ثالثًا: الرؤية المقترحة للحل
الحل يكمن في توحيد المرجعية التعليمية للجالية السودانية بمصر عبر إنشاء فروع رسمية معتمدة لمدرسة الصداقة السودانية، تحت إشراف مشترك من:
وزارة التربية والتعليم السودانية (اعتماد المناهج والشهادات).
السفارة السودانية بالقاهرة (الإشراف والتنظيم).
المجلس الأعلى للجالية السودانية بمصر (التواصل مع الأسر والدعم المجتمعي).
الآليات العملية:
1. الإشراف المؤسسي: تشكيل مجلس مشترك يراقب المدارس ويمنع أي نشاط تعليمي غير مرخص.
2. المناهج والكتب: طباعة المناهج حصريًا عبر وزارة التربية والتعليم، أو التعاقد مع مطابع مصرية معتمدة، مع حظر تدخل أي فرد أو جمعية.
3. اختيار المعلمين: تعيين الأساتذة بمعايير دقيقة (شهادة أكاديمية، اختبارات تحريرية، مقابلات شخصية)، مع التدريب المستمر.
4. التمويل: رسوم دراسية موحدة وشفافة، مع إعفاءات جزئية للفئات الأكثر حاجة، دون أي تدخل من منظمات أجنبية أو جمعيات أهلية.
5. التقنية والبنية التحتية: تجهيز المدارس بفصول حديثة ومعامل حاسوب، وتطبيق أنظمة رقمية للإدارة والقبول والامتحانات.
6. التنسيق مع مصر: توقيع مذكرة تفاهم رسمية بين وزارتي التعليم في السودان ومصر لضمان الاعتراف القانوني بهذه المدارس.
7. الرقابة: زيارات تفتيش دورية من الوزارة، وتقارير دورية من المدارس، مع إغلاق أي مدرسة مخالفة.
رابعًا: السيادة التعليمية
من أهم مبادئ الإصلاح أن تكون العملية التعليمية سودانية خالصة، بعيدة عن أي تدخل خارجي قد يعبث بالهوية الوطنية. لذلك:
يمنع فتح مدارس سودانية بالخارج إلا بترخيص من وزارة التربية والسفارة.
يمنع طباعة الكتب أو توزيعها إلا عبر قنوات رسمية.
يمنع أي دعم مالي أو إداري مباشر من المنظمات الأجنبية أو الجمعيات الأهلية، منعًا للتسييس والاختراق.
الخلاصة:
التغيير في التعليم السوداني يجب أن يكون شاملًا: يبدأ من الداخل بمناهج حديثة وأساليب تدريس متطورة، ويصل إلى الخارج بتنظيم مدارس الجالية وحمايتها من الفوضى.
إن إنشاء فروع معتمدة لمدرسة الصداقة السودانية بمصر، تحت إشراف مشترك، وبآليات دقيقة لاختيار المعلمين وطباعة الكتب وتمويل المدارس، هو السبيل لضمان مستقبل أبنائنا.
ولن ينجح هذا المشروع إلا إذا ابتعد عن المصالح الضيقة والتدخلات الأجنبية، وارتكز على سيادة القرار التعليمي السوداني وإرادة سياسية جادة.
مشاركة الخبر علي :