
د.سعاد فقيري تكتب: التربية الإيجابية في دار السودان بالقاهرة
نحو إعادة بناء الأسرة السودانية بعد الحرب.
في زمن تتعرض فيه الأسرة السودانية لضغوط متراكمة من حرب ونزوح وتشتت، جاءت مبادرة دار السودان بالقاهرة في الحادي عشر من سبتمبر 2025 لتضع لبنة أساسية في مسار جديد، عبر تنظيم ورشة عمل عن التربية الإيجابية للأطفال.
الورشة جاءت بتنظيم مشترك بين مسؤولة الثقافة والإعلام بدار السودان الأستاذة هدى إبراهيم، ومكتب المرأة في المجلس الأعلى للجالية السودانية في مصر ممثلاً بالأستاذة شادية محمد أحمد، وبالتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة.
أجواء الورشة ورسائلها الأولى
افتتحت الورشة بتلاوة من القرآن الكريم، ثم جاءت كلمة الأستاذة شادية محمد أحمد مرحبة بالحضور، أعقبتها كلمة الأستاذة هدى إبراهيم التي وضعت الأساس الفكري للفعالية، مؤكدة أن التربية الإيجابية ليست مجرد أسلوب تربوي، بل هي رؤية للحياة تهدف إلى تربية أطفال أصحاء نفسيًا وسلوكيًا، قادرين على مواجهة مجتمع مليء بالتحديات.
تطرقت الأستاذة هدى إلى أن السنوات الأولى من عمر الطفل (من 3 إلى 4 سنوات) تشكل حجر الأساس في بناء شخصيته، وأن الوالدين يمثلان القدوة الأولى. فحينما يحترم الأبوان نفسيهما أمام أطفالهما، فإنهما يزرعان فيهم بذور الاحترام والثقة بالنفس.
لماذا التربية الإيجابية الآن؟
السياق السوداني اليوم لا ينفصل عن الأزمة الممتدة التي خلفتها الحرب.
ملايين الأطفال عاشوا تجربة النزوح وفقدان الأمن، ما انعكس على سلوكياتهم في صورة عنف، بلطجة، واضطرابات نفسية. ومن هنا تبرز الحاجة إلى التربية الإيجابية كخيار بديل عن الأساليب التقليدية التي لم تعد تكفي لمعالجة آثار الأزمات.
إنها دعوة لإعادة تعريف العلاقة بين الوالدين وأبنائهم على أساس من الحب، والوعي، والحزم المتوازن، بما يساعد الأطفال على التكيف مع واقع جديد دون فقدان الثقة أو الأمل.
تفاعل الحضور وتجارب ملهمة:
اللافت في الورشة هو حجم النقاشات التي أثارتها، إذ لم يكتفِ الحضور بالاستماع، بل شارك كل منهم بتجربته الشخصية مع التربية الإيجابية، مشيدين بجدواها في تحسين تواصلهم مع أبنائهم. هذه الشهادات الحية جسدت أن الموضوع لم يكن نظريًا فحسب، بل يمس صميم حياة الأسر السودانية في مصر والمهجر.
من المبادرة إلى المنهج:
ما قامت به دار السودان لا ينبغي أن يقف عند حدود ورشة واحدة، بل يجب أن يتحول إلى منهج عمل مستدام، عبر برامج دورية تستهدف الآباء والأمهات والمعلمين. فالتربية الإيجابية ليست ترفًا ثقافيًا، بل هي حاجة ملحّة لإعادة بناء الإنسان السوداني بعد سنوات الحرب والانقسام.
إن الاستثمار في وعي الأسرة هو استثمار في مستقبل الوطن، حيث يبدأ الإصلاح من الطفل، ويتوسع ليشمل المجتمع كله.
ختام:
إن مبادرة دار السودان بالقاهرة في طرح موضوع التربية الإيجابية تمثل نقطة مضيئة في مسيرة الجالية السودانية، ورسالة واضحة بأن معركة إعادة البناء لا تبدأ من الطوب والحجر، بل من الطفل والأسرة.
فكلما نجحنا في بناء جيل واثق وسليم نفسيًا، اقتربنا أكثر من إعادة السودان كما نحلم به: وطنًا معافى يستمد قوته من أطفاله.
مشاركة الخبر علي :