
*خطرفات الحرب والسلام!!* *متى يتعلم السودانيون من عبر ومواعظ حرب الجنجا؟!!*

*(حلقة رقم ١)*
*مدخل:*
*إذا أردنا سودانًا جديدًا معافى من آثار هذه الحرب المدمّرة، فيجب إعادة النظر في تجربة الحكم المحلي اللامركزي(الفيدرالي ) اسما و الفاشل ممارسة حاليًا، والتي فاقمت من مشاكل السودان وساعدت في إذكاء نيران العنصرية والجهوية والقبلية، وزادت من وقود الحرب المستمرة حتى كتابة هذه الخطرفات.*
* أحاول، إن شاء الله، أن أختصر كلامي (البانورامي) هذا في شكل إشارات حتى تسهُل عملية المتابعة؛ فالحديث كبير، متشعّب، معقّد، ومتخصص، وأنا أتناوله هنا كمواطنٍ عادي عاش عددًا من الحقب المتعاقبة على السودان البائس التعيس.*
* قال لي العم المفكر حسن النور سوار الذهب -غشيت قبره شآبيب الرحمة- وهو بعض الرحيق من جيل ورثة الإنجليز في إنضباط الخدمة المدنية(الذين استغاثت بهم احدى نساء أم درمان واطلقت عبارتها الشهيرة في ذلك الزمان لأنهم انصفوها من ظلم أهل جلدتها ... الإنجليز يا يمة لا يموتوا لا يفوتوا !!!) وكنت أجلس معه الساعات الطوال، من وقت لآخر، في ظل الصباح والعصريات أمام منزله العامر بالعيلفون في ذات المكان الذي دنسه الجنجويد بأفعالهم وهمجيتهم ... يقول العم حسن النور -رحمه الله- في معرض حديثه،*
*تعرف يا أخينا إن العيلفون لا تحتاج إلى أي شكل من أشكال الحكم المحلي، لأنها بلدة صغيرة وأهلها لحمة واحدة، ولن يجلب هذا النمط من الإدارة المحلية معه غير مكاتب لجمع الضرائب والعوائد ومن الأفضل أن تُدار العيلفون بسلطة هجينة بين الإدارة الأهلية ذات الصبغة الشعبية، تضم في هيكلها صفوة أهل العقد والحل من المثقفين والمستنيرين ونشطاء العمل العام والخبراء في المجالات كافة، حتى لا تدخل العيلفون في مشاكل الضرائب والعوائد وبيروقراطية المكاتب.*
* وسمعت العم الأستاذ / أحمد الشيخ إدريس مناع -غشيت قبره شآبيب رحمة الله-، وهو أحد خبراء الحكم المحلي الأفذاذ، ويكاد يكون الموظف الأول على مستوى السودان الذي تبوأ منصبًا رفيعًا في الدولة بجهده ومؤهلاته... من ضابط صف إداري إلى أعلى سلطة في مجاله محافظًا للخرطوم في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وقد شهدت المحافظة يومها أزهى أيام حكمها وإدارتها وتغنت به حسناوات الخرطوم وام درمان وبحري .*
*تقلد المرحوم الأستاذ/ أحمد الشيخ إدريس مناع وزارة الحكم المحلي لفترة قصيرة، ولعله كان يعمل على تغيير واقع الحكم الإداري على مستوى* *السودان، لكن سرعان ما حل محله الدكتور /علي الحاج*، *اختصاصي النساء والتوليد، في ذات الوزارة،* *قبل أن يكمل مناع مشروعه الإستراتيجي لحكم السودان (لاحظ من خبير وعالم في الحكم المحلي إلى اختصاصي في النساء والتوليد !!)*
*ولعلنا الآن نجني ثمار ما أنتجه الدكتور علي الحاج بعمليته القيصرية المتعجلة، التي دخلت فيها الموازنات السياسية والترضيات والجهويات والقبليات، حتى وصل عدد ولايات السودان الآن إلى ثماني عشرة ولاية بدلا من تسع محافظات تركهم لنا الإنجليز وكان (خواجة) واحد من (اولاد جون) على ظهر ناقة جرباء يحكم إقليم كامل مثل إقليم كردفان الذي تشتعل فيه النيران الآن مقارنة بأرتال السيارت الفارهات والمكاتب والمخصصات التي يحظى بها حكام اليوم ولا طلنا منها بلح الشام ولا عنب اليمن ولا يزال العرض مستمراً لإنتاج مزيدا من الولايات وكاف جدا حمولة بوكس واحد على ظهره أعيان المنطقة ولفيف من شيوخها ونظارها والدعوة لاحتفال جماهيري في الموقع الفلاني أن تعلن الحكومة عن ميلاد ولاية جديدة لا تتوفر في عاصمة ولايتها حتى (دولاب) لحفظ الاوراق والمستندات أو التبشير عن فتح جامعة في (تمبول)حاضرة سهل البطانة أو (سرف عمرة) في وديان دار فور مع احترامنا لهذه المناطق العزيزة التي تزخر بالموارد الحيوانية والزراعية والمعدنية وتحتاج فقط إلى رعاية مواردها وتطويرها أكثر من إحالتها إلى ولاية أو افتتاح جامعة فيها ا!*
*واحدة من مشاكل السودان المستعصية:*
*وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب ... المال عند بخيله، والسيف عند جبانه على الرغم من أن البلاد تزخر بالعلماء والمفكرين والخبراء في المجالات كافة من كل طيف ولون !!"*
* قال الأستاذ/ أحمد مناع -رحمه الله- إن أنسب صيغة لإدارة شؤون العيلفون الخدمية والمجتمعية هي:*
* *"مجلس بلدي محلي أهلي، لا يتعدى حدود العيلفون الجغرافية ، بذات الصيغة التي ذكرها العم/ المرحوم حسن النور... أي بمعنى صورة معدلة لفترة عمودية المرحوم العمدة مصطفى بركات الزاهية وتتسق مع التغيرات الجديدة ومواكبة ايقاع واحتياجات العصر*
* أسوق هذا القول وفي مخيلتي حديث أعمامنا حسن النور وأحمد الشيخ إدريس مناع -رحمهما الله- في إطار البحث العام عن مشاكل السودان ومستقبله في ظل ما أفرزته الحرب.*
*الذي يهمني في هذا الأمر إحساسي العام نحو أنماط الحكم في بلادنا العزيزة؛ فأنت تدلف مثلا إلى داخل مبنى وحدة إدارية العيلفون قبل الحرب، ولا أدري كيف يكون الحال بعد الحرب... المبنى أشبه بمعبد أثري قديم ومهجور، متشقق الجدران، بائس المكاتب ضيق الحجرات لا تسمع فيه حركة أو ضجيج ويكاد يخلو المبنى من أي أثر لعمال أو موظفين... الكآبة تمتلك كل جوانبه،*
*المكتب الوحيد الذي تحس فيه نوعًا من الحركة والنشاط هو مكتب التعليم، وهذا -رغم بؤس معيناته واهتراء أثاثه- يحظى بحراك فرضته حركة المدارس، ورنين الأجراس، والنشيد الوطني في ضوابير الصباح.*
*الناس في العيلفون لا يعرفون اسم المدير الذي يدير وحدة إدارية العيلفون، ولا حاجة لهم بمعرفته، طالما لا أثر ملموس للوحدة الإدارية في حياتهم.*
*المديرون المتعاقبون أنفسهم، طوال هذه الحقب، لا يداومون بصفة يومية متكررة، وإنما لهم أيام محددة في الأسبوع، وفق ما تقتضيه الحالة أو الاستدعاء.*
*وحدة مغلولة اليد واللسان، ولا تملك ما تقدمه للعيلفون، دعك من القرى المجاورة التابعة لها، سوى جمع الضرائب والعوائد والنظر في قضايا عالقة في الأراضي أو التروس، أو بعض الخدمات المتناثرة هنا وهناك وهكذا الحال أخاله في بقية الوحدات الإدارية في طول السودان وعرضه .*
*لك الله يا سودان*
*إلى اللقاء في الحلقة القادمة.*
*بقلم/ مبارك صباحي*
*سبتمبر ٢٠٢٥*
مشاركة الخبر علي :