
حديث الساعة: إلهام سالم منصور تكتب: سد النهضة الإثيوبي.. الخطر القادم من الشرق
ما يمر به السودان اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو امتحان عسير وابتلاء ثقيل تمضي به الأقدار منذ أكثر من خمس سنوات. تتابعت فيه المحن وتكاثرت التحديات، حتى أصبح الوطن يعيش تحت وقع الأزمات المتلاحقة: سياسية، اقتصادية، إنسانية، وأمنية، إضافة إلى كوارث طبيعية ومخاطر خارجية تهدد بقاءه واستقراره.
لقد شهدنا في السنوات الماضية فيضانًا كارثيًا، أغرق الأراضي والبيوت، وشرد الآلاف من أهلنا في مختلف الولايات. كان ذلك الفيضان كاشفًا لمقدار هشاشة بنيتنا التحتية، لكنه أظهر أيضًا عظمة هذا الشعب الذي وقف رغم الدمار، واستمد من إيمانه بالله ومن تاريخه الطويل في الصبر والتماسك، طاقة تجعله يقف على قدميه مجددًا، ولو تحت المطر والركام.
واليوم، تتسع دائرة الخطر لتشمل تهديدًا استراتيجيًا مائيًا قادمًا من الشرق، مع استمرار توسعة سد النهضة الإثيوبي دون اتفاق ملزم يُراعي مصالح السودان وحقوقه في مياه النيل. خطر السد لا يتعلق فقط بنقص المياه، بل يمتد إلى تهديد حياة ملايين المواطنين في حال حدوث خلل في بنية السد أو استخدامه كورقة ضغط سياسي. ومرة أخرى، يجد السودان نفسه في مواجهة تحدٍّ جديد، يختبر فيه وحدته، ووعيه، وقوة موقفه في الدفاع عن حقه السيادي والتاريخي.
ورغم هذه الصورة القاتمة، تلوح في الأفق بشائر أمل مع تحرّك الجيش الوطني نحو استعادة الأمن والاستقرار. الجيش، بصفته المؤسسة الوحيدة المتماسكة في زمن الانقسام، بات يمثل بارقة رجاء في نفوس كثير من المواطنين، الذين يتوقون إلى لحظة تتوقف فيها آلة الفوضى، ويعود فيها الوطن إلى أهله.
غير أن التحدي الأكبر يظل داخليًا؛ في وعينا الجمعي، وفي قدرتنا على تجاوز الخلافات، والالتفاف حول مشروع وطني واحد يُنقذ البلاد من مستنقع التناحر والانقسام. فالأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالإرادة والعمل، ولا تُنقذ بالولاءات الضيقة، بل بالولاء الصادق للأرض والناس والتاريخ.
إن السودان اليوم في مفترق طرق حقيقي. إما أن نكون شعبًا يستحق الحياة الحرة الكريمة، فينهض رغم الجراح، ويعيد كتابة تاريخه بيده، أو نكون ممن فرّطوا في بلادهم تحت وطأة اليأس والتشظي.
فلنستمسك بإيماننا، ونتذكر دائمًا أن بعد العسر يُسر، وأن الوطن، وإن أعيته الجراح، لن يسقط ما دام فيه من يؤمن به، ويذود عنه، ويزرع فيه الأمل.
مشاركة الخبر علي :