
حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: وماذا بعد أن تضع الحرب أوزارها؟
في خضم الدخان المتصاعد من ركام المدن، وفي ظل الألم الذي يسكن القلوب ويُخيم على الأرواح، يقف السودان اليوم على مفترق طرق تاريخي.
فالسؤال الأهم، والأكثر إلحاحًا، لم يعد: متى تنتهي الحرب؟
بل: ماذا بعد أن تضع الحرب أوزارها؟
ما الذي سنفعله نحن؟ وماذا ستفعل الحكومة؟
ولكن، وقبل أن نُلقي بسيل الأسئلة على عاتق الدولة، لا بد أن نُصارح أنفسنا بسؤالٍ أعمق:
هل تعلمنا الدرس؟
لأن الحرب، مهما اشتدّ لهيبها، يمكن أن تُطفأ بالسلاح، لكن الجهل، التشرذم، والأنانية الوطنية، لا تنتهي إلا بإرادةٍ حقيقية في التغيير.
نداء الوطن الجريح
اليوم، ينادي السودان أبناءه وبناته بنداء الوطن الجريح، الذي لم يعد يحتمل مزيدًا من الخذلان:
كفى فرقةً، كفى جهلاً، كفى استهتارًا بثروات هذا البلد الذي حباه الله بكل مقومات النهوض، ثم قعدنا به طوعًا أو كرهًا.
إن ما يحتاجه السودان ليس مجرد هدنة، بل نهضة.
ونهضة تبدأ من:
الوحدة الوطنية الصادقة، حيث لا فضل لقبيلة على أخرى، ولا جهة على سواها، إلا بما تقدمه للوطن.
العلم والتثقيف، فبالعلم تُبنى العقول، وتُهزم الطائفية، ويُحمى الوطن بالوعي قبل البندقية.
تعزيز قيم الانتماء الحقيقي، لا ذلك الانتماء الزائف الذي يُباع ويُشترى في أسواق السياسة.
الاستغلال الأمثل للثروات التي يفيض بها السودان، من ذهبٍ ونفطٍ وزراعة، إلى ثروة بشرية عظيمة تحتاج فقط إلى فرصة حقيقية.
المصالحة الوطنية
لن ينهض السودان إن لم يُداوِ جراحه الداخلية.
علينا أن نعترف بالأخطاء، وأن نتصالح مع أنفسنا قبل أن نتصالح مع الآخرين. فالمصالحة الوطنية ليست ضعفًا، بل هي القوة الحقيقية التي تعيد اللُّحمة الاجتماعية، وتُرمم نسيجنا السوداني الذي مزقته الحروب والسياسة.
إعادة بناء المؤسسات
الوطن لا يقوم على الأفراد مهما بلغت قوتهم، بل على المؤسسات.
قضاءٌ مستقل، شرطةٌ مهنية، تعليمٌ متطور، وصحةٌ متاحة للجميع.
هذه الأعمدة هي الضمانة للاستقرار، وهي التي تحمي الوطن من أن يُختطف مرة أخرى.
الشباب والمرأة: طاقة المستقبل
لقد دفع الشباب والنساء الثمن الأكبر في هذه الحرب.
آن الأوان أن يكون لهم الدور الأكبر في إعادة البناء، لا مجرد متفرجين أو ضحايا.
فالمرأة التي صبرت على الجوع والفقد، والشاب الذي حمل الهم قبل أن يحمل السلاح، كلاهما يستحقان أن يكونا في مقدمة النهضة.
الإعلام والثقافة
لا نهضة بلا وعي، ولا وعي بلا إعلام صادق.
على الإعلام أن يتحرر من لغة الكراهية والشائعات، وأن يصبح منبرًا للحقيقة، وأداة لترسيخ الوحدة الوطنية، بدلاً من أن يكون سلاحًا للتفريق أو التحريض.
كما أن الثقافة والفنون قادرة على أن تعيد لنا إنسانيتنا التي شوهتها الحرب، فتغرس فينا قيم الجمال، والرحمة، والهوية المشتركة.
الإدارات الأهلية: صمام الأمان
لم يكن دورها يومًا مجرد مظاهر اجتماعية، بل كانت ركيزة في حل النزاعات وربط المجتمع.
علينا أن نُعيد لها اعتبارها، وأن نستفيد من حكمتها وتجذرها في الأرض، لتكون جسرًا بين الدولة والشعب.
الكلمة للقوات المسلحة
لا بد أن نعترف، بكل وضوح، أن القوات المسلحة السودانية كانت وما زالت الدرع الذي تصدّى للضياع الكامل.
وحين نتحدث عن المستقبل، فإننا نؤمن بانتقال مدني حقيقي، ولكن تحت إشراف عسكري صارم ومؤقت، يحمي البلاد من التفكك، ويمنع عودة الفوضى.
نريد حكومة مدنية، نعم.
لكننا نريدها محروسة بعينٍ عسكرية ساهرة، حتى تُمهَّد الطريق لدولة القانون، وتُبنى مؤسسات الحكم الرشيد.
إرادة الحياة
إن السودان لا ينقصه شيء سوى الإرادة.
لدينا الأرض، والناس، والثروات، والتاريخ.
وما علينا إلا أن نحسن قراءة الدرس، وأن نُعاهد أنفسنا:
ألا نكرر الكارثة.
لن نترك الوطن معلقًا بين نار الحرب وسراب السلم الزائف.
بل سنعيد بناءه على أساس الوحدة، والسيادة، والعلم، والعدالة.
ولتكن الكلمة الأخيرة دائمًا للوطن.
مشاركة الخبر علي :