
حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بعد الحرب... قائد أم زعيم؟
بعد أن وضعت الحرب أوزارها، يقف السودان على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخه، ويقف معه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أمام سؤالٍ حاسم: هل سيظل قائدًا عسكريًا ارتبط اسمه بسنوات الحرب والدفاع عن الدولة؟ أم سيعبر إلى مقام الزعامة الوطنية التي تقود السودان نحو السلام والبناء؟
لقد برز البرهان في زمنٍ عصيب كقائدٍ صامد، حافظ على وحدة الجيش ومنع سقوط البلاد في الفوضى الكاملة. لكن مع نهاية الحرب، تبدأ معركة جديدة أكثر صعوبة من ساحات القتال: معركة بناء الدولة، وتحقيق التوافق الوطني، وإعادة صياغة مشروع السودان الحديث.
بين القيادة العسكرية والزعامة الوطنية
القائد العسكري يُعرَف بقدرته على إدارة المعارك وكسبها، بينما الزعيم الوطني يُعرَف بقدرته على جمع المختلفين تحت راية مشروع جامع، وصياغة مستقبلٍ تُشارك فيه كل القوى الوطنية. والتاريخ السوداني يبرهن أن الزعامة لا تُمنح بالرتب العسكرية، بل تُصنع بالمواقف والرؤى والإرادة السياسية.
تجميد دور القادة العسكريين
منذ الفريق إبراهيم عبود، مرورًا بجعفر نميري، وصولًا إلى عمر البشير، ظل السودان رهين حكم العسكر، ودفع ثمنًا باهظًا من استقراره ووحدته. إن تجميد دور القادة العسكريين في العمل السياسي اليوم ليس خيارًا فقط، بل هو ضرورة وطنية لتجاوز الحلقة المفرغة من الانقلابات. وهنا تكمن فرصة البرهان في أن يسجّل نفسه في التاريخ باعتباره آخر القادة العسكريين الذين تصدّروا الحكم، وأول من فتح الباب لتحول السودان إلى دولة مدنية قوية.
مقارنة تاريخية
إسماعيل الأزهري قاد السودان نحو الاستقلال، فارتبط اسمه بالزعامة الوطنية.
جعفر نميري تحوّل من قائد عسكري إلى زعيم سياسي، لكنه انتهى بانقسامات وصراعات.
عمر البشير حكم بثقل العسكر لثلاثة عقود، فكان سقوطه نهاية مرحلة طويلة من الانفراد بالسلطة.
هذه النماذج تضع البرهان أمام مفترق طرق: إما أن يعيد إنتاج المشهد ذاته، أو أن يكسر الحلقة ليصبح صانع التحول التاريخي.
خطوات عملية للتحول من القيادة العسكرية إلى الزعامة الوطنية
1. إعادة تعريف دور الجيش: حصر مهمته في حماية الوطن والدستور، بعيدًا عن الحكم المباشر.
2. الدعوة إلى مؤتمر وطني شامل: يجمع كل القوى السياسية والاجتماعية، دون إقصاء، لرسم خارطة طريق جديدة.
3. المصالحة الوطنية: إطلاق مسار حقيقي للعدالة الانتقالية والمسامحة، يجبر الضرر ويعيد الثقة بين مكونات الوطن.
4. بناء مؤسسات الدولة: دعم استقلال القضاء، تفعيل الإدارة المدنية، وتطوير الخدمة المدنية كعمود فقري للحكم الرشيد.
5. تسليم السلطة للشعب: الالتزام بانتخابات حرة ونزيهة تُعيد السيادة إلى المواطن، وتُنهي عهد الانقلابات.
6. تجسيد الزعامة بالقيم لا بالقوة: أن يصبح البرهان رمزًا لوحدة السودان، وزعيمًا يتذكره الناس لا كسليل للحكم العسكري، بل كقائد فتح الباب للدولة المدنية الحديثة.
رسالة مفتوحة إلى الفريق البرهان
سيادة الفريق، إن التاريخ يضعك الآن في ميزانه العادل: إما أن تُسجَّل كقائد عسكري أنهى حربًا، أو أن تُكتب في ذاكرة الأجيال كزعيمٍ وطني كسر الحلقة السوداء من الانقلابات، ومهّد الطريق لسودانٍ مدني ديمقراطي قوي.
إن الزعامة ليست شرفًا شخصيًا، بل مسؤولية تاريخية، وقدرٌ لا يختاره الإنسان بقدر ما تختاره الأمة له. فكن على قدر هذه اللحظة، ودع اسمك يقترن لا بالحرب فقط، بل بالسلام والوحدة والنهضة.
فهل ستكون آخر القادة العسكريين الذين حكموا السودان، وأول زعماء مدنييه الذين أعادوا بناءه؟
مشاركة الخبر علي :