
د.سعاد فقيري تكتب: بين المقام والمسؤولية نحو إصلاح شامل لصورة المسؤول السوداني وهيبة الوظيفة العامة
مقدمة:
في زمنٍ تتعاظم فيه التحديات وتتشابك فيه صورة الدول أمام العالم، يصبح سلوك المسؤول مرآةً تعكس مدى الوعي الوطني والرشد المؤسسي. وما حدث مؤخرًا من ظهور أحد كبار المسؤولين السودانيين في شوارع عاصمةٍ أجنبية وهو يهتف باسم قادة آخرين، يعيد إلى الواجهة سؤالاً خطيرًا:
هل يدرك بعض مسؤولينا أنهم لا يمثلون أنفسهم، بل يمثلون وطنًا جريحًا يسعى لاستعادة كرامته ومكانته؟
أولاً: هيبة المنصب العام ليست وجاهة شخصية
المنصب العام ليس ملكًا لصاحبه، بل تكليفٌ وطنيٌّ وأمانةٌ عامة.
السلوك الفردي للمسؤول، سواء في الداخل أو الخارج، يُعدّ رسالة سياسية ودبلوماسية تنعكس مباشرة على صورة السودان أمام العالم.
ولذلك، فإن التصرفات الانفعالية أو الارتجالية تُضعف الثقة في الدولة وتفتح أبواب السخرية والاستخفاف، وتُظهر غياب معايير السلوك الوظيفي الراقي.
ثانياً: ضرورة إصلاح منظومة الوظيفة العامة
لا يمكن الحديث عن دولة حديثة دون إصلاح جذري في بنية الوظيفة العامة، يقوم على ركائز ثلاث:
1. الكفاءة والجدارة قبل الولاء:
يجب أن تكون معايير التعيين مبنية على الكفاءة المهنية والقدرة على تمثيل الوطن لا الأشخاص.
2. مدونة سلوك وطنية ملزمة:
وضع مدونة سلوك للمسؤولين، تحدد بوضوح حدود الخطاب العام، وآداب الظهور الإعلامي والدبلوماسي، والواجبات الأخلاقية لكل من يتقلد منصبًا رسميًا.
3. المساءلة الإدارية والأخلاقية:
أي إخلال بسلوك المنصب يجب أن يقابل بمحاسبة فورية، ليس نكايةً في الأشخاص، ولكن حفاظًا على هيبة الدولة.
ثالثاً: بناء ثقافة “التمثيل الوطني”
لابد من برامج تدريب وتأهيل دبلوماسي وإداري لكل مسؤول جديد قبل توليه مهامه، تتضمن:
مهارات الاتصال الرسمي والبروتوكول الدولي.
فنون التعامل في المناسبات الإقليمية.
إدراك حساسية الرموز الوطنية عند الظهور الخارجي.
فمن يمثل السودان، يمثل حضارة تمتد لآلاف السنين، لا نظامًا سياسيًا عابرًا أو موقفًا شخصيًا طارئًا.
رابعاً: نحو ميثاق شرف وطني للمسؤول
ينبغي أن تتبنى الحكومة الانتقالية أو القادمة ميثاق شرف وطني للمسؤولين والموظفين، يتضمن:
احترام المقام الوطني والرموز الرسمية.
الالتزام بخطاب موحد في المحافل الدولية.
حظر الهتافات أو المجاملات السياسية خارج الأطر الدبلوماسية.
التذكير الدائم بأن المسؤول "لسان وطن لا لسان حزب أو قائد".
خاتمة:
إصلاح السودان يبدأ من إصلاح صورة مسؤوليه، فالأمم لا تُبنى بالشعارات، بل بالقدوة والالتزام والانضباط.
وما نرجوه اليوم هو أن يدرك كل من يتقلد منصبًا أن الخطأ الفردي قد يُحسب على وطن بأكمله، وأن هيبة السودان لا تحتمل مزيدًا من العبث.
مشاركة الخبر علي :