
حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: لا عفو ولا سماح لي المجرمين على حساب دماء الشهداء — وتوثيق جرائم حرب آل دقلو الإرهابية
السلام قيمة سامية، والعفو عند المقدرة خلق نبيل — لكن لا يجوز أن يتحوّل العفو إلى ستار يحمي قتلة ارتكبوا أفظع الجرائم ضد المدنيين، وخانق يطمس حقوق الشهداء وأسرهم. خاصة بعد ما شهده السودان من مآسي لا تُحصى في ما أسميه حرب آل دقلو الإرهابية، حيث لم تكن الحرب مجرد معركة بين فصيلين، بل حملة ممنهجة ضد المدنيين شملت القتل الجماعي، الاغتصاب، النهب، التشريد، والتدمير الممنهج للبنية التحتية والخدمات الحيوية. أي مصالحة أو عفو لا يمرّ عبر بوابة العدالة والمساءلة سيكون ظلماً ماضياً وحاضراً ومستقبلياً للشعب السوداني.
ماذا فعلت الحرب — سجل جرح الأمة
في هذه الحرب القاسية ارتُكبت مجموعة جرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع، تركت آثاراً إنسانية واجتماعية واقتصادية عميقة:
1. النزوح والتشريد الداخلي واللجوء الخارجي
أرقام مفزعة: أكثر من عشرين مليون مواطن تأثروا مباشرة بالنزاع، وملايين أُجبروا على الفرار داخلياً وخارجياً، ما جعل السودان واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. الملايين يعيشون في مخيمات مكتظة دون خدمات كافية، واللاجئون في البلدان المجاورة يعانون نقص الغذاء والرعاية الصحية.
2. انتهاكات جنسية واسعة النطاق (اغتصاب كتكتيك حرب)
تقارير من منظمات حقوقية أممية ودولية وثّقت حالات اغتصاب جماعي، واستعمال العنف الجنسي كأداة ترهيب وإذلال — ضد نساء وأطفال وحتى رجال — في أماكن سيطرة ميليشيات الدعم السريع والعصيان المرتبط بعائلات دقلو. هذه أعمال ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتطلب تحقيقاً وملاحقة قضائية.
3. السرقة والنهب الممنهجان واستهداف الممتلكات المدنية
بيوت، محلات، مخازن، مستشفيات، مدارس، وبنى تحتية اقتصادية تعرّضت للنهب والحرق والخراب. هذا النهب لم يكن أعمال فردية عابرة وإنما حملات ممنهجة استهدفت كسر جيوب العيش ومقدرات الناس، وترك الاقتصاد الوطني مدمّراً ومفخوخاً بالمخاطر.
4. قتل وبتر وتهجير عائلات كاملة
القصاص لا يُقاس بعدد القتلى فقط؛ آلاف المنازل هُجّرت، ومدن بأكملها نزحت، وعائلات فقدت آباءها وأمهاتها وأبنائها. فقدان شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي جعل ملايين من الناس في موقف بائس، معرضين للأمراض والجوع والاستبعاد.
5. تدمير الخدمات الصحية والتربوية والاقتصادية
المستشفيات والمراكز الصحية تعرضت للنهب والقصف، والمدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين أو دُمرت بالكامل، ما أوقف عملية التعليم والصحة وهدّد حياة المرضى والنساء الحوامل والأطفال بشكل مباشر. الحاجة الإنسانية تجاوزت كل الحدود، والجهود الإغاثية تعاني نقص تمويل شديد.
لماذا لا يمكن أن يكون العفو بديلاً عن العدالة
العفو المجاني يشرعن الإفلات من العقاب. هذا يرسل رسالة للمجرمين بأن القتل والاغتصاب والنهب لا يترتب عليهما ثمن حقيقي.
العفو يُنكر حقوق الضحايا. الأيتام والأرامل وأسر الشهداء يستحقون تعويضاً وعدالةً لا تهدأ.
العفو بلا شروط يمهد لدورة عنف جديدة. التاريخ والعالم أثبتا أن المصالحة بلا مساءلة غالباً ما تفشل وتعيد إنتاج نفس العنف.
ماذا نطالب به الآن — خارطة طريق واضحة ومسؤولة
1. محاكمات وطنية ودولية عادلة وشفافة لمن ثبت تورطهم في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بالتعاون مع آليات العدالة الدولية إن لزم الأمر.
2. توثيق شامل وقابل للنشر لكل الجرائم والأسماء والأدلة، حفاظاً على الذاكرة ومنع تلاشي الحق.
3. تعويض حقيقي لأسر الشهداء والضحايا (مدفوعات مالية، منح دراسية، إعفاءات صحية، أولوية توظيف).
4. حماية الناجين من العنف الجنسي (خدمات نفسية، صحية، قانونية، وبرامج إعادة دمج).
5. برنامج وطني لإعادة الإعمار يربط بين عودة النازحين وإتاحة فرص اقتصادية للمجتمعات المتضرّرة، مع رقابة مجتمعية ومشاركة الأسر المتأثرة.
6. منع الإفلات من العقاب عبر قوانين وضمانات مؤسساتية تُصلح أجهزة الأمن وتُحكم الرقابة المدنية عليها.
لا سلام حقيقي بلا عدالة
نحن لا نغذّي روح الانتقام، بل ندعو للعدالة كشرط للاستقرار الحقيقي. قبول العفو عن مجرمي حرب آل دقلو بلا مساءلة هو خضوع لقيمة خاطئة — قيمة تفرّق بين دماء الشهداء والكرامة. أما العدالة، فهي التي تمكّن الوطن من الشفاء وتمنع عودة الموت إلى بيته.
لا عفو على حساب دم الشهداء. العدالة أولاً — ثم المصالحة المشروطة التي تبنى على اعتراف وقيود واضحة وحماية لحقوق الضحايا. السودان يستحق أن يُنصف أبناؤه وأن تُحفظ دماؤهم من الضياع.
مشاركة الخبر علي :