
محمد التجاني عمر قش يكتب: عصفت بنا شمالاً... سبق روائي!


العينُ بعدَ فِراقها الوَطَنا
لا ساكِنًا ألِفَت ولا سَكَنا
وأحبَّةً أسرَرتُ من كَلَفي
وهَوايَ فيهِم لاعِجًا كَمَنا
لي ذكرياتٌ في رُبوعِهُمُ
هُنَّ الحياةُ تألُّقًا وسَنا
" خير الدين الزركلي"
بدعوة عبر الفيسبوك لفت الزميل العزير مصطفى محكر انتباهي إلى رواية بعنوان "عصفت بنا شمالاً" صدرت حديثا ضمن منشورات دار إبهار بالرياض، وجرى التوقيع عليها ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقيم هذه السنة في جامعة الأميرة نورة. الرواية من تأليف الدكتورة آلاء مصطفى محكر، وهي كاتبة روائية شابة استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة متقدمة بين كتاب الرواية في السودان وربما العالم العربي بأكمله. وقد حظيت بالحصول على نسخة من هذا العمل المتميز وألفيته إنتاجا إبداعيا عكس كافة متطلبات الرواية الناجحة ومقوماتها الفنية.
هذه الرواية في مجملها سرد لوقائع افرزتها ويلات الحرب التي تدور في السودان الآن؛ وهي تمثل حبكة سردية بسيطة ومتماسكة طرحت موضوعها بشكل متفرد من حيث اللغة والزمان والمكان والأحداث والأشخاص والتفاصيل ذات الصلة مع بعض الجوانب النفسية والاجتماعية التي تعطي الرواية بعدها الأدبي؛ خاصة وأنها وصلت إلى مطابع دار النشر ولما تضع الحرب أوزراها بعد، وهذا في حد ذاته يجعل الرواية ذات ارتباط وثيق بأحداث ما زالت تتطور، مما يجعل القارئ يشعر بأنها ذات مصداقية وواقعية وحقيقية. وبمعنى آخر، تعتبر هذه القصة من أدب الواقع وإن كانت قد وضعت في سياق لا يخلو من الخيال.
هذا النوع من السرد الواقعي يمثل سبقا في الأدب العربي، ويتيح للقراء تجربة تلامس الجوانب المختلفة من الحياة والنفس الإنسانية. ومما يميز هذه القصة الواقعية الرائعة تلاحق أحداثها التي تجسد الأحاسيس والمآسي التي مرت بها مئات الآلاف من الأسر السودانية التي دفعت بها الظروف للنزوح داخليا أو اللجوء إلى دول الجوار!
ومن حيث اللغة استخدمت المؤلفة مزيجا من الفصحى والعامية خاصة في حالات الحوار، ولذلك يمكن لأي قارئ متابعة القصة دون عناء أو إحساس بالرتابة علما بأن اللغة هي واحدة من العناصر التي تضفي رونقا على العمل الأدبي سواء كان رواية أو غيرها وقد نجحت الكاتبة في توظيف اللغة وتطويعها لخدمة فكرتها أو الثيمة أو الموضوع الرئيسي أو الفكرة المحورية للرواية.
أما أشخاص القصة فهم أسرة تتكون من أب وأم وطفل كانوا يعيشون في دارهم في الخرطوم هانئين حتى داهمتهم المأساة أو الكارثة وهم يعدون العدة لاستقبال عيد الفطر المبارك. فقد وجدت فاطمة نفسها محبوسة في أحد المباني في الخرطوم مع طفلها خالد وبعض الأشخاص الأخرين الذين حاصرتهم النيران عند الساعات الأولى من اندلاع الحرب ومن ثم بدأت رحلة المعاناة والتنقل من مكان لآخر، وطفقت الكاتبة، بكل براعة واتقان، تصف لنا مشاعر وتصرفات أولئك الناس تحت ظروف قاسية لم تدر بخلدهم ذلك الصباح.
وبما أن الوصف وسرد التفاصيل هي بعض مقومات ومتطلبات العمل الأدبي فقد وفقت المؤلفة أيما توفيق في وصف المشاهد الطبيعية وحتى خلجات النفوس وسلوك الأفراد وهذا لعمري جانب فني راقي يزيد من إتقان الحبكة. وقد أبدع مصمم الغلاف باختياره صورة لسيارة تمخر عباب الصحراء وكأنها تحمل ركابها نحو المجهول!
هذه الرواية هي باختصار إضافة نوعية للإنتاج الإبداعي في السودان والعالم العربي حيث تضع كاتبتها ضمن سجل المبدعين ونتوقع لها مستقبلا أدبيا باهرا ومثمرا.
مشاركة الخبر علي :