
حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: ماذا تريد دول الرباعية من السودان؟
في ظل الأوضاع المعقدة التي يعيشها السودان، يبرز الدور المتزايد لما يُعرف بـ الرباعية الدولية المكونة من مصر، والإمارات، والسعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الدول التي تتصدر المشهد الإقليمي والدولي في محاولاتها لإيجاد مخرج للأزمة السودانية.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:
ماذا تريد هذه الرباعية حقًا من السودان؟
هل تسعى بصدقٍ لإحلال السلام، أم لتثبيت نفوذها ومصالحها في قلب إفريقيا؟
مصر: أمن قومي وحدود مشتركة
مصر هي الدولة الأكثر ارتباطًا بالسودان تاريخًا وجغرافيا ومصيرًا.
تدرك القاهرة أن استقرار السودان ليس خيارًا، بل ضرورة أمن قومي، لأن أي اضطراب في السودان ينعكس مباشرة على أمنها المائي والحدودي.
لذلك تتحرك مصر بواقعية وبرؤية تقوم على دعم وحدة الدولة السودانية، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية، باعتبارها الضامن الوحيد لوحدة البلاد ومنع تفككها.
تؤمن مصر بأن الحل يجب أن يكون سودانيًا خالصًا، نابعًا من الداخل، بعيدًا عن الضغوط الخارجية أو المصالح الضيقة. ولهذا تظل القاهرة تمثل الركيزة المتزنة في معادلة الرباعية، بحكم روابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
السعودية: البحر الأحمر وأمن الإقليم
أما المملكة العربية السعودية، فهي تنظر إلى السودان من زاوية الأمن الإقليمي والاقتصاد البحري.
السودان بالنسبة للرياض شريك مهم في أمن البحر الأحمر، وخط دفاع استراتيجي في وجه أي تهديدات قد تؤثر على المنطقة.
تسعى السعودية إلى دعم الاستقرار في السودان حتى لا تتحول الفوضى إلى تهديد مباشر لممراتها البحرية أو استثماراتها في إفريقيا.
ولذلك، تساند الجهود الرامية إلى توحيد الصف السوداني ووقف الحرب عبر الحوار، مع التشديد على الحفاظ على مؤسسات الدولة القائمة.
الإمارات: نفوذ اقتصادي وسياسي
الإمارات من جانبها تُدرك أن للسودان موقعًا استراتيجيًا فريدًا وثروات طبيعية هائلة.
تهتم أبوظبي بالاستثمار في الموانئ والزراعة والمعادن، وتعمل على تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي في شرق إفريقيا.
لكن المطلوب اليوم أن يكون دور الإمارات أكثر توازنًا ووضوحًا، وأن تنحاز إلى وحدة السودان واستقراره، لا إلى أي طرف أو مشروع يُضعف الدولة السودانية.
فالسودان لا يحتمل مزيدًا من الصراعات بالوكالة، وهو يحتاج إلى دعم حقيقي لا مشروط يعيد إليه قوته وسيادته.
الولايات المتحدة: النفوذ والرهانات السياسية
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتتعامل مع السودان كجزء من خريطتها الاستراتيجية في إفريقيا.
تسعى واشنطن إلى منع النفوذ الروسي والصيني في البحر الأحمر، وتعمل على فرض حكومة مدنية موالية لتوجهاتها السياسية والاقتصادية.
ورغم شعاراتها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنها لم تُقدّم حتى الآن رؤية واقعية لإنهاء الحرب أو مساعدة الشعب السوداني ميدانيًا في أزمته الإنسانية.
الرباعية بين المصالح والاستقرار
تقف الرباعية اليوم أمام خيارين:
إما أن تكون قوة دعم حقيقية لاستقرار السودان عبر احترام سيادته ومساندة مؤسساته الوطنية،
أو أن تتحول إلى أداة لتقاطع المصالح والصراعات الإقليمية، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بدل حلها.
نجاح الرباعية لا يُقاس بعدد الاجتماعات أو البيانات، بل بقدرتها على دعم الحل السوداني – السوداني، وعلى تمكين القوات المسلحة السودانية من بسط الأمن وحماية المواطنين، خاصة في المدن التي ترزح تحت الحصار مثل الفاشر التي صمدت ببطولة أمام القتل والتجويع.
وهنا، نُجدّد الثقة في القوات المسلحة السودانية الباسلة والقوات المساندة الشريفة، وندعوها إلى الإسراع في فك الحصار عن الفاشر وكل المناطق التي أنهكتها الحرب، وإعادة الأمن والحياة الكريمة لأهلها.
رسالة إلى الرباعية
إلى دول الرباعية نقول:
نرحب بكم شركاء في دعم السلام، لا أوصياء على قرارنا الوطني.
نقبل منكم المساعدة لا الإملاء.
السودان دولة ذات سيادة وتاريخ، لا تُدار من الخارج، ولن تُرسم ملامح مستقبله إلا بإرادة أبنائه الذين ما زالوا يقدمون أرواحهم فداءً له.
فليكن دور الرباعية دعمًا للحل الوطني، لا أداة ضغط أو تقاسم نفوذ.
وليكن عنوان المرحلة القادمة: السودان أولًا، والسيادة خط أحمر.
الإعلام السوداني… صوت الوطن لا صدى الآخرين
في خضم هذا الصراع الإقليمي والدولي، يأتي دور الإعلام السوداني كأحد أهم أسلحة المرحلة.
فعلى الإعلاميين أن يكونوا درع الوعي الوطني، وأن يرفعوا صوت السودان لا صدى الأجندات الخارجية.
الكلمة اليوم لا تقل أهمية عن البندقية، والموقف الإعلامي أصبح جزءًا من معركة الوعي والسيادة.
يجب أن نكتب عن السودان بعين الوطن لا بعين الممول، وأن نُبرز للعالم حقيقة ما يجري على الأرض، بعيدًا عن التشويه والتضليل.
فالإعلام الوطني هو من يُعيد الثقة بين المواطن ودولته، وهو الذي يفضح الأكاذيب ويُعري النفاق السياسي.
وإننا، كإعلاميين وطنيين، نعلن التزامنا بأن نكون صوت الفاشر وصوت السودان كله، وأن نعمل معًا من خلال مبادرة نفرة دارفور الكبرى، لنصنع إعلامًا حرًا، مسؤولًا، ووطنيًا يعيد للوطن مكانته وكلمته بين الأمم.
السودان اليوم أمام امتحان التاريخ،
إما أن يُدار من الخارج، أو ينهض بإرادته الحرة.
وإيماننا راسخ أن هذا الوطن، الذي صمد في وجه الحروب والمؤامرات،
سينهض من جديد بعزيمة جيشه وشعبه،
وسيبقى دائمًا كما كان: حرًا، عزيزًا، شامخًا فوق كل الأجندات.
مشاركة الخبر علي :