
حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: وطنٌ يئن... والنسيج يتداعى.ولكن صامدون رغم الجراح
يمر السودان اليوم بمرحلةٍ فارقة في تاريخه الحديث، حيث تتعرض البلاد لهزةٍ عميقةٍ تمسُّ عمق كيانها ووجدانها الوطني. فالتصدع الذي أصاب النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لم يعد مجرد أزمةٍ عابرة، بل هو انفلاتٌ في التوازن العام للدولة، وانحرافٌ عن المسار الطبيعي الذي كان يحفظ للسودان تماسكه وهيبته بين الأمم.
لقد تآكلت الأنسجة العامة التي كانت تجمع السودانيين على قلبٍ واحد، وتراجعت قيم التراحم والتكافل، وتفككت الروابط التي كانت تشكّل دعائم الوطن. وما نشهده اليوم من اضطرابٍ حادٍّ هو نتيجة تراكماتٍ طويلةٍ من الإهمال والتجاذبات السياسية والمصالح الضيقة التي غلّبت الفرد على الوطن، والحزب على الدولة، والمصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
وفي خضم هذا الواقع المؤلم، يعلو صوت الوطن لينادي أبناءه جميعًا — مدنيين وعسكريين، شيوخًا وشبابًا، رجالًا ونساءً — أن اتحدوا من أجل السودان، فالوطن لن يقوم إلا بتكاتف سواعد أبنائه. نحن اليوم في حاجةٍ ملحةٍ إلى إعادة بناء اللحمة الوطنية وترميم النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل الحروب والخلافات، وإلى إعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته الرسمية.
ومن هنا، يصبح لزامًا علينا أن نعيد النظر في بنية الدولة السودانية عبر خطواتٍ واقعية وعاجلة، تبدأ بـ:
إعادة تشكيل المجالس التشريعية في ولايات السودان لتكون صوت الشعب الحقيقي.
إحياء نظام الإدارات الأهلية الذي كان صمام الأمان الاجتماعي وضامن التعايش والتوازن بين المكونات.
تعزيز التنسيق بين الأجهزة ذات الصلة لخلق شبكة دعمٍ مجتمعي متكاملة تحفظ الأمن وتعيد الثقة.
إنّ أي فكرٍ سياسي أو تنظيمي لا يضع أمن السودان ووحدته في مقدمة أولوياته، لا وقت له الآن. فالسودان يمر بمنعطفٍ مصيريٍ لا يحتمل الترف الفكري ولا الصراعات الجانبية، بل يحتاج إلى عقلٍ وطنيٍ جامعٍ، يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.
نداء الوطن
يا أبناء السودان في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، في الداخل والمهجر...
يا من تنبض قلوبكم بحب هذا التراب الطيب،
إنّ وطنكم يناديكم اليوم بصوتٍ مبحوحٍ من شدة الألم، يقول: “احموني من الفرقة، أنقذوني من الضياع”.
لا تسمحوا لأي تيارٍ، أو فكرٍ دخيلٍ، أو أجندةٍ خارجيةٍ أن تعبث بوحدة السودان أو تهدد سلامه. فالوطن ليس ميدانًا لتصفية الحسابات، ولا ساحةً لتجريب الشعارات. الوطن بيتٌ كبير يسع الجميع، لا فرق فيه بين جهةٍ أو قبيلةٍ أو انتماءٍ سياسي، لأن السودان فوق الجميع، ويبقى للجميع.
لتكن هذه المرحلة صفحةً جديدة في تاريخنا، نكتبها بالحكمة لا بالدم، وبالوحدة لا بالفرقة، وبالصدق لا بالشعارات.
فمن ضمير هذا الشعب العظيم يولد الأمل، ومن رحم المعاناة تشرق فجر الحرية والاستقرار.
وسيبقى السودان — رغم الجراح — قلعةً للصمود، ومنارةً للكرامة، ورايةً لا تنكسر.
مشاركة الخبر علي :