بقلم/ مُسـلم مُرحـال-المُـحامــى
.
ينبغِي على أي سودانى أن يدرك أن وطننا السودان هو بلد عظيم وثري جداً وغالي جداً بل وأن معظم حُكام وقادة دول العالم عامةً وحُكام وقادة الخليج خاصةً يتمنون لو أنهم كانوا يُقِيمون حُكمهم داخل سُوداننا بل يتمنون لو أنهم كانوا سُودانيين ويستوطِنون هذه الأرض....
ولكن (هذِه الأرضُ لنا)
يتفِق معى الجميع فى أن وطننا الحبيب (السُودان) هو مَحط أنظار العالم فى كل شيء ولذلك كان مستهدفا فى كل شئ تارة بالإستعمار بِشِقيه التقليدي والحديث وتارةً أُخرى عبر الدسائس والمؤامرات والعُقوبات وأيضاً بالتدخلات الدبلوماسيه المُباشره وغير المُباشره وكل ذلك بقصد إقعاده عن التطوُر والنَماء وأيضاً للحصول على ما تحتويه أرضِه من كُنوز ثروات والتاريخ الطويل يحكى ذلك....
يتفِق معي طيفُ واسع من السُودانيين ان أخطر محطه من محطات التدخُلات الخارجيه فى تاريخ السودان الحديث كان تدخل الأمم المتحدة عبر بعثة الأمم المتحدة (UNITAMS) وذلك حين قام رئيس مجلس الوزراء آنذاك (حمدوك) إبّان توليه المنصِب بمخاطبة الأمين العام للأمم المتحده من أجل المساهمة أو المساعده في عملية الإنتقال السياسي في السُودان وذلك بإعتماد وإرسال (بعثه أُمميه سياسيه) تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة تُغطي كامل التراب السُوداني وسبق وأن تطرقت إلى ذلك التدخل بِمقال بتاريخ 20 يونيوحُزيران 2020 حول الشراكه ما بين المجلس العسكري والحُريه والتغيير ومدى شرعية بعض القرارات المصيريه وذلك عبر سِلسِلة مقالات (خارِطة طريق) التى درجتُ فيها على تناول الشأن العام السُوداني وقد لقيَت رواجاً واسعاً... وكان المقال بعنوان (ما بين الوثيقة الدُستوريه،،، ومصفوفة الإجراءات الإنتقاليه،،،،هل الحكومه الإنتقاليه قادِره علي الوفاء بإلتزاماتها وصولاً للعمليه الإنتخابيه؟ ،،،
تطرّقْتُ في ذلك المقال إلى ما شاب إستدعاء هذه البعثه من لغط حيث خُوطب الأمين العام للأمم المُتحده في 27 يناير 2020 بواسطة رئيس مجلس الوزراء (حمدوك) حيث رشح من الأخبار أن الخطاب أعدته السفارة البريطانية سراً لإستقدام بعثة أُممية تحت الفصل السادس وذلك على لسان السفير البريطاني السابق (عرفان صديق) نهاراً جهاراً وكان ذلك دون علم مجلس السياده أو حتى مجرد إخطاره بالأمر... وأيضا خُوطب الأمين العام للأمم المتحده مره ثانيه في 27 فبراير 2020 - بعد شهر من الخطاب الأول (خطاب حمدوك) - بخطاب (تصحيحي) من رئيس مجلس السياده برفض بعض النقاط التي جاءت في الخطاب الأول مع قبول بعضها وتمخّض عن ذلك قرار تشكيل بعثة سياسية لكامل التراب السوداني مقرها الخُرطوم لدعم المرحلة الإنتقالية بمسمى (UNITAMS) بالرغم من أن كل ذلك تختص به حكومه شرعيه مُنتخبه عبر إنتخابات حُره ونزيهه وشفافه...
كل المتابعين للشان السياسي السودانى يُجمِعون بأن السودان لم يجد طريقه إلى الاستقرار منذ زمن بعيد بفعل المؤامرات والدسائس والتدخلات الخارجيه بأشكال متنوعه وظلت الدبلوماسيه الخارجيه تلعب دورا محوريا فى التصدي لذلك ولكن ما زاد الطين بِله قرار وحضور بعثة (UNITAMS) وهى تحمل فى طياتها الشرير الألمانى (فولكر) الذى حضر إلى البلاد مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحده وهو يحمل حقيبه التى تحتوى على أسوأ الأجنده الخارجيه على مر تأريخ البلاد وهى أجندة مشروع تفتيت السودان ومَحوِه من خارِطة العالم ....
على مر تأريخ الأمه السودانيه البعيد والقريب كانت هنالك محطات هامه تجلّي فيها صُمود الشعب السودانى ضد الطغيان الخارجي بصفه عامه وضد مشروع (UNITAMS) الإستعماري الهدام بِصفه خاصه حيث كان لأبطال الدبلوماسيه الخارجيه السودانيه القدح المُعلّي فى ذلك فخاضوا حرباً شعواء ضد الدول والمؤسسات والهيئات التى تبنت هذا المشروع الهدام ضد بلادِنا حيث أثبتوا أن الحروب الدبلوماسيه لا تقل أهميه عن الحروب التى تدور على الأرض...
أيضا يتفق معى شيوع المتابعين للشأن السوداني وتحديداً الأزمات والإحتقانات التى حدثت ما بعد إعتماد بعثة (UNITAMS) وحُضور الشرير (فولكر) فى أن الأجنده كانت واضحه الخُطى نحو تفتيت البلاد وان ما حدث فى 15 أبريل 2023 كان حتمِي الوقوع حسبما هو مخطط له وفق مشروع تفتيت السودان وكان اللذين صمموا هذا المشروع وداعميه ومن هم شاركو في تنفيذه يثقون فى نجاحِه بنسبه 100٪ وذلك لدقة الإعداد والترتيب والتنسيق ولكنهم تفاجئوا وبفشل وسُقُوط مشروعهم بل تفتت المشروع ولم يتفتت السودان كما كانوا يحلمون فكانت أولى معارك الدبلوماسيه السودانيه عبر جلسة مجلس الأمن المُغلقة فجر يوم 26 أبريل 2023 وكانت معركه دبلوماسيه شرسه لا تقل أهميه عن المعارك الدائره بالعاصمه الخرطوم وقتها وبحكم ان ما يدور داخل دهاليز واروِقه مجلس الأمن عادة ما يكون له تبعاته بالداخل فإتضح أن حجم المؤامرة التي تتعرض لها البلاد كانت كبيره جداً وبذلك كانت المعركه الدبلوماسيه على أشُدها حيث حققت الدبلوماسية السودانية فى هذه الجلسه إنتصاراً باهراً على المستوى الدولي وذلك بإفشال إصدار أى قرار بشأن جهود القوات المسلحه في إنهاء التمرُد حيث أسس مندوب السودان موقف بلاده بأن قوات الدعم السريع حاولت الإستيلاء على السلطة عبر إنقلاب عسكري وطالب إعطاء السودان الفرصة للتعامل مع المقترحات الداخليه والإقليمية لحل الأزمة موضحاً أن الأولوية فى هذا الشأن تكون للإتحاد الأفريقي والدول المجاورة للتعامل مع ما يجري في السودان وأضاف أن ما يجري في السودان شأن داخلي يجب أن يُترك حله للسودانيين دون تدخُل خارجي مُشدداً على أن الجيش يحاول إنهاء التمرد الذي قامت به قوات الدعم السريع بأقل خسائر ممكنة وبذلت الدبلوماسيه السودانيه جهود جباره بالرغم من أن موقف كل من (أمريكا.بريطانيا. فرنسا) يفهم منه بأنهم يرفضون إعتبار ان ما جرى من قبل قوات الدعم السريع إنقلاباً عسكرياً ويرون أن وقف الحرب ضرورى لإعتبارات الحاله الإنسانيه ولكن إتخذت القاره الإفريقيه موقفاً موحداً تبنت بموجبه موقف السودان وإعتبرت ما يجري شأناً داخلياً وطالبت المجتمع الدولي بعدم التدخل بزعم أن القارة الأفريقية قادرة على حل أزماتها دون تدخُلات فجاء موقف كل من (أثيوبيا وجنوب السودان وجيبوتي) وهي الدول التي تسمى (الدول ذات النفوذ) وكذلك الاتحاد الإفريقي داعماً للموقف السودانى حيث إستمع المجلس لإفاداتهم ودعم هذا الموقف الأمين العام (غوتيرش) وأكد على دعم الحلول الإقليمية عبر الاتحاد الإفريقي والإيقاد وكان الموقف العربي ممثلاً فى المملكه العربيه السعوديه والإمارات بدأ ضبابياً ومرتبكاً ومتردداً فلم يدعما الموقف السوداني ابتداءاً ولكن المملكة العربية السعودية عادت مع بداية الجلسة الثانيه بموقف قوي مع السودان وشددت على أن الحل يجب أن يُترك للسودانيين لوحدهم رافضة التدخل الخارجي وهو ذات المنحى الذي أكدت عليه مصر ومعلوم أن مصر موقفها داعم لموقف السودان كان هذا على مستوى المحيط الإقليمي أما على مستوى المحيط الدولى كان لموقف كل من روسيا والصين أثر بالغ فى خروج الجلسة المغلقة دون إصدار أي قرار واكتفت الدولتان بالتنوير ورفضتا إصدار أي بيان إضافي وذكرتا إن مجلس الأمن أصدر بياناً فى وقت قريب حول السودان ولابد من منح السودان فرصه لإحتواء النزاع وجاءت كلمة نائبة المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة (أنّا يستغنيفا) التي قالت فيها (إن العديد من اللاعبين الخارجيين قاموا بشكل مصطنع بتعجيل عملية نقل السلطة إلى القوى المدنية في السودان) - تقصد بذلك (UNITAMS) والشرير فولكر تحديداً - وشددت على أن تلك الأطراف الخارجية فرضت عُدة قرارات لم تنل أية شعبية في المجتمع وبين المواطنين في السودان وذكرت أيضاً (لقد شاهدنا كيف قام العديد من اللاعبين الخارجيين بفرض عملية نقل السلطة بشكل مصطنع إلى القوى المدنية، وبفرض عدة قرارات لم تقبلها مجموعات كبيرة من السودانيين) وقالت (إن عدة دول قامت بالترويج كثيرا للاتفاق السياسي الإطاري في 5 ديسمبر 2022، الذي رغم ذلك لم يصبح منصة شاملة لمختلف القوى داخل السودان على أن عدة شخصيات سياسية ذات وزن ثقيل بقيت خارج نطاق هذا الاتفاق) وأضافت (تم ربط عملية فك الطوق عن المساعدات الدولية الحيوية للبلاد بشكل مباشر بنقل السلطة إلى حكومة مدنية ونتيجة لذلك، وقع الإستقرار الهش في البلاد ضحية فرض مثل هذه القرارات عبر الضغط والإبتزاز)
وبذلك فقد إنتصرت الدبلوماسيه السودانيه بِسعيها الحثيث وخبرتها الطويله فى إداره ملف العلاقات الخارجيه دبلوماسياً سيما والسودان فى حالة حرب وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك إن الحرب الدبلوماسيه لا تقل أهميه عن الحرب التي تدور على الأرض وان التنسيق ضروري بين الدبلوماسيه الخارجيه والداخل لان السياسة الخارجية لاتصنعها الدبلوماسية بل هي واحدة من أدوات تنفيذها عبر المؤسسات العسكريه والأمنيه والإعلاميه
وعادة السياسات الخارجية وليدة مؤسسة الرئاسة وتتم إجازتها عبر البرلمان وتُنفذ عبر وزارة الخارجية هذا فى الأوضاع العاديه أما فى الأوضاع الاستثنائية كحالتنا الان أعتقد أن مجلس السيادة وقيادة الجيش ومجلس الوزراء المكلف تقع على عاتقهم مسؤولية تحديد موجهات السياسة الخارجية بما يخدم الأمن القومي والمصالح الوطنيه....
…. نواصل
مشاركة الخبر علي :