تأملات:- جمال عنقرة يكتب: العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة (٣)
سألني احد الأصدقاء عن دواعي كتابتي هذه المقالات، في هذا الوقت، بهذه الطريقة المباشرة، ثم قال لي ضاحكا (دي زي آخر طلقة وآخر عسكري) فقلت له، واقول:
صحيح أنني كتبت كثيرا عن العلاقات السودانية المصرية، إلا ان كل ما كتبته (كوم) وهذا (كوم آخر) فكثير مما كنت أقوله عن مصر والمصريين لم يكن مستوعبا لدي كثيرين من السودانيين ممن لم تتح لهم مثلي معرفة مصر واهلها، ومن حسنات حرب ١٣ابريل الملعونة انها أتاحت للملايين من اهل السودان معرفة مصر كما لم يعرفوها من قبل، وهنا بالطبع لا اعني معرفة التاريخ والثقافة والأدب والإعلام، ففي هذه السودانيون يعرفون مصر اكثر مما يعرف المصريون السودان، لكنني اعني معرفة الوجدان والشعور والمصالح، واقول، ومن خلال معايشة نصف قرن من الزمان، فان احساس المصريين بأخوة السودانيين لهم اعظم من احساس السودانيين بإخوة المصريين، وقد يرجع ذلك إلى تشتت احساس السودانيين بالانتماء، فبعضهم يعلون من الانتماء للعباسيين، واخرون للاشراف، وبعضهم للمغاربة، وقليلون الذين يعيرون انتماء وادي النيل وأفريقيا السمراء اهتماما مستحقا، ثم ان هناك اوهام متبادلة تضعف الاستغلال الأمثل للموارد المتكاملة في البلدين، وأعتقد انه ان اوان مواجهة كل هذه الحقائق وغيرها، لا سيما بعد ان اقتنع كثير من السودانيين والمصريين بمقولة الرئيس السيسي العبقرية المعبرة (نحن ما لناش غير بعض)
ذكرت في المقال السابق ان احساس الزعماء والرؤساء في البلدين بعمق العلاقة وعطاؤهم لها اكبر بكثير ممن هم دونهم في سلم الوظائف، لذلك نجد ان كثير من القرارات السيادية تتكسر في الدواوين الحكومية، ولئن كانت علة الموظفين الحكوميين السودانيين الذين يعملون في ملف العلاقات السودانية المصرية
عدم الثبات، فلا يكاد الشخص يعمل في ملف مصر ويبدا بمعرفته، حتى يخرج منه تماما، وينقل إلى ملف ليس له علاقة به، وهذا ينطبق علي الذين يعملون في الخارجية او الأجهزة الأمنية، او المصالح المشتركة الاخري مثل التعليم والتجارة والري، وغيرها، اما في مصر فان العلة في بعض الأحيان عكس ما يحدث في السودان، فبينما العلة في السودان عدم الثبات، فان العلة في مصر عند بعض المتنفذين في طول الثبات، لدرجة ان بعضهم يتوهم انه صار يفهم السودان اكثر من السودانيين، وبعض آخر يزداد الوهم عنده فيعتقد انه يعرف مصالح السودان اكثر من اهله، ولعل كل إنسان يقرأ كلامي هذا تعرض أمامه عدد من اسماء المصريين المتوهمين، وتعرض معهم اسماء لسودانيين عملوا في ملف العلاقات السودانية المصرية وحققوا فيه نجاحات عظيمة، وفجاة وبدون مقدمات، وبدون مبررات نزعوا منه نزعا، وألقي بهم في ملفات لا يعرفون عنها شيئا، فضاعت معارفهم السابقة، وضاعوا في متاهات الملفات الجديدة، وخسرناهم هنا ولم نكسبهم هناك.
نواصل باذن الله تعالى
مشاركة الخبر علي :
