تأملات:- جمال عنقرة يكتب: العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة (٤)
فاتني ان اذكر ان من الأسباب الرئيسة لكتابة هذه السلسلة من مقالات العلاقات السودانية المصرية موضوع الرباعية، وقد يكون هو السبب الأساسي ذلك ان الجميع حمل الرباعية ما لا تحتمل، ووضعوا مصر في غير موضعها الحقيقي، فمصر بحساب الوزن هي واحد من اربعة، ومع ذلك فان كثيرين يعتبرونها صاحبة الدور الأساسي في ذلك، ويقع في هذا التقدير الخاطئ حتى السودانيين والمصريين، اما الخطاً الأفدح فهو اعتبار مصر وسيط في الأزمة السودانية، وهي في الحقيقة شريك وليس وسيط، وشتان بين الوسيط والشريك، ومشكلة هذين التقديرين الخاطئين ليس في أنهما يمكن ان يفسدا دور مصر في الرباعية، وفي المسالة السودانية كلها فحسب، ولكنهما يمكن ان يفسدا ما بين مصر والسودان، وهذا ما يجب ان نعمل له جميعا ترليون حساب.
نحمد الله أننا جئنا إلى مصر أول مرة في سبعينيات القرن الماضي لدراسة الجامعة، وتلك كانت افضل فترة تشهدها العلاقات السودانية المصرية فترة التكامل علي زمن حكمي الرئيسين الراحلين جعفر نميري وانور السادات، ومن ملامح تلك الفترة أن السفرض بين البلدين ببطاقة وادي النيل، فلا يحتاج إلى جواز سفر ولا تاشيرة ولا يحزنون، وكانت الجامعات المصرية تقبل سنويا نحو ثلاثة آلاف طالبا حتى قارب عدد الطلاب السودانيين في مصر العشرين الف طالبا، وبينما كان الطلاب الوافدين للدراسة في مصر يدفع الواحد منهم رسوم دراسية اربعة آلاف جنيها استرلينيا، يدفع الطالب السوداني خمسة جنيهات مصرية فقط مثله مثل الطالب المصري، وكانت المعاملات المالية بين البلدين تتم عبر ما يسمي بالدولار الحسابي، وكان يوجد برلمان مشترك سوداني مصري اسمه برلمان وادي النيل، وتوجد اتفاقية دفاع مشترك، وكان الرئيس السادات له الرحمة والمغفرة قد خصص ميناء للسودان في الإسكندرية يطل منه علي البحر الأبيض المتوسط.
لما سقطت مايو في أبريل عام ١٩٨٥م، وتم انتخاب السيد الصادق المهدي رئيسا للوزراء، اول ما فعله ألغي اتفاقية التكامل مع مصر، وألغي معها اتفاقية الدفاع المشترك، وألغيت بطاقة وادي النيل، وتم حل برلمان وادي النيل، وتعطلت وتوقفت كل المكتسبات التي كان ينالها السودانيون في مصر ثمارا لميثاق التكامل بين البلدين والشعبين الشقيقين.
عوامل كثيرة قادت السيد الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة لاتخاذ تلك القرارات، أولها المواقف التاريخية بين الانصار وحزب الأمة مع مصر، والأهم من ذلك العلاقة الوطيدة بين السيد الصادق والرئيس الليبي العقيد معمر القذافي الذي كان يدعم المعارضة السودانية لاسقاط حكومة خصمه اللدود جعفر نميري، وكان المعارضون السودانيون قد وعدوا العقيد القذافي بالدخول معه في وحدة فورية إذا سقط نظام نميري، ولعل الناس يذكرون وصول العقيد القذافي للسودان بعد انتخاب السيد الصادق رئيسا للوزراء لتوقيع الوحدة الفورية.
نواصل باذن الله تعالى
مشاركة الخبر علي :
