مبارك الفاضل المهدي يكتب: بين خطة البرهان وخطة الرباعية… أي طريق سينقذ السودان من الهاوية؟
يشهد السودان مأساة إنسانية غير مسبوقة في تاريخه الحديث. فقد تعرّض المدنيون لمجازر بشعة في الفاشر وقبلها في الجنينة والجزيرة، وتشرّد الملايين بين النزوح واللجوء في دول الجوار، وبلغ عدد الذين يواجهون الجوع أكثر من ٢٥ مليون مواطن. توقفت المدارس، وخرج الملايين من الأطفال من التعليم، وتوقفت الحياة الاقتصادية والمعاشية لأكثر من ثلاث سنوات. إن هذا الخراب الهائل يتطلب وقفة صادقة وشجاعة وطنية تتجاوز كل الحسابات الضيقة.
في خطابه يوم الأحد أمام ضباط القوات المسلحة من رتبتي لواء وعميد، رفض السيد الفريق عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، خطة الرباعية الدولية التي قدمت له، بحجة تعارضها مع خطته التي قدمها للأمين العام للأمم المتحدة. وقد حاول الإيحاء بأن هناك تبايناً بين موقف ولي العهد السعودي والرئيس ترامب من جهة، وبين مواقف الرباعية من جهة أخرى، رغم أن المقترح المقدم له يمثل موقفاً موحداً للرباعية ومسنوداً بالكامل من قيادة المملكة والولايات المتحدة.
أولاً: الفجوة الجوهرية في خطة البرهان
تنطلق خطة السيد الفريق البرهان من سلطته الناتجة عن انقلاب ٢٥ أكتوبر، وهي سلطة تفتقر إلى المشروعية السياسية. والأخطر أنها تتجاهل طبيعة الحرب ذاتها: فالحرب ليست تمرداً كما يصفها البرهان، بل هي صراع على السلطة بين شريكي قيادة المؤسسة العسكرية، القائد العام للقوات المسلحة وشريكه ونائبه في مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع.
لكن أخطر ما ورد في الخطة هو البند (أ) الذي سقط من بعض الترجمات المتداولة، والذي ينص على:
قبول وقف إطلاق النار بشرط انسحاب قوات الدعم السريع بالكامل إلى إقليم دارفور، لمدة تسعة أشهر، ليقوم بعدها —بعد تشكيل حكومته— بمناقشة مستقبل الدعم السريع.
هذا البند تحديداً يمنح الدعم السريع مساراً نحو الانفصال الفعلي، إذ يعزله في دارفور، ويقطع صلته بأي ترتيبات سياسية أو أمنية في بقية السودان بعد وقف الحرب. وبذلك تتحول الخطة —من حيث لا يُعلن— إلى وصفة لتقسيم السودان.
ثانياً: مبادئ الرباعية… وما الذي تطرحه فعلاً؟
بيان الرباعية الصادر في 12 سبتمبر 2025 وضع خمسة مبادئ واضحة:
1. وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.
2. لا حل عسكرياً للصراع.
3. حماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة دون عوائق.
4. عملية انتقالية شاملة لا يهيمن عليها طرف مسلح.
5. وقف كل أشكال الدعم العسكري الخارجي.
هذه المبادئ، بخلاف خطة البرهان، تنطلق من معالجة جذور الأزمة، وتضع سلطة القرار في يد الشعب السوداني عبر انتقال مدني لا يخضع لهيمنة طرف مسلح.
ثالثاً: اتفاق جدة ثم اتفاق المنامة… الأساس المنطقي للحل
قدّم اتفاق جدة (11 مايو 2023) مدخلاً لإنقاذ المدنيين ووقف الانتهاكات، ثم جاء اتفاق المنامة في يناير 2024 ليشكل إطاراً شاملاً لترتيب مستقبل السودان.
وتكمن أهمية اتفاق المنامة في أنه:
• حسم مستقبل تعدد الجيوش والمليشيات في السودان.
• نص في بنده السابع على إعادة بناء القوات المسلحة السودانية لتصبح قوات مهنية بعيدة عن السياسة والعمل الاقتصادي،
• ودمج الدعم السريع وجميع المليشيات في جيش واحد.
• نص على إزالة التمكين الإخواني،
• وتقديم المطلوبين من نظام الإنقاذ للعدالة،
• والعودة إلى الحكم المدني.
ويكتسب الاتفاق ثقله لأنه وقع بواسطة:
• الفريق شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة،
• والفريق عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع،
وبشهادة كل من: الولايات المتحدة، مصر، السعودية، الإمارات.
إنها وثيقة تمثل الطرفين وتضع مساراً واقعياً لإنهاء الحرب.
رابعاً: أي طريق يمكن أن ينقذ السودان من الهاوية؟
إن استمرار الحرب وفق معادلتها الحالية، أو السير في خطة أحادية مثل خطة البرهان، يعني:
• تفتيت السودان،
• تعميق المأساة الإنسانية،
• وتحويل دارفور إلى كيان منفصل بحكم الأمر الواقع،
• وإدامة الصراع داخل المؤسسة العسكرية.
بينما يمثل خط الرباعية —مدعوماً باتفاق جدة والمنامة— المسار الوحيد القادر على:
1. وقف الحرب.
2. توحيد القوات المسلحة.
3. إعادة بناء مؤسسات الدولة.
4. فتح الطريق أمام حكم مدني مستقر.
5. حماية وحدة السودان ومنع تفككه.
الخلاصة
إن ما يواجهه السودان اليوم أكبر من خلافات النخب. إنه تهديد وجودي للدولة نفسها. والمطلوب من قيادة القوات المسلحة —بوصفها أحد أعمدة الدولة— أن تبتعد عن الحسابات السلطوية، وأن تقدم مصلحة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة شعبه على أي اعتبار آخر.
مشاركة الخبر علي :
