تأملات جمال عنقرة يكتب: العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة(٧)
ذكرت في المقال السابق أن الإنقاذ ولدت في مهد النظام المصري الذي احتضنها ورعاها وقدمها للآخرين إلى أن اكتشف علاقتها بالجبهة الإسلامية فناصبها العداء، وردت عليه باعنف منه واتخذت قرارات وصفتها بالزلزال، واشرت في ختام المقال إلى أن العلاقة بين الإنقاذ ومصر استوت مرة أخرى بعد أن أدرك الطرفان أن التواصل الايجابي هو اقصر وانجز الطرق للتعاطي مع الآخر، ولعل الناس يذكرون أن مصر كانت الدولة الوحيدة التي بها مكتب للمؤتمر الوطني يمارس فيه كل مناشطه، ويجد رعاية خاصة من الحكومة المصرية ومن الحزب الوطني الحاكم، وأمينه العام السيد صفوت الشريف.
وكنت قد أشرت إلى أن القيادات العليا في مصر والسودان اكثر حرصا علي تنامي علاقات البلدين والشعبين الشقيقين من الذين هم دونهم، وأن هذا يصدق في زمن الرئيسين مبارك والسيسي في مصر، والبشير والبرهان في السودان، ولذلك نجد أن قرارات وتوجيهات سيادية ورئاسية كثيرة تتعطل ولا تجد طريقها للنفاذ.
ومن المفارقات العجيبة أن علة بعض الذين يعملون في ملفات البلدين تختلف عند السودانيين عن المصريين، فبينما علة بعض السودانيين قلة المعرفة والخبرة بمصر، فان علة بعض المصريين الخبرة وكثرة المعرفة بالسودان، ويعود ذلك إلى ان الأجهزة في السودان لا تهتم بالتخصص، فيمكن أن يعمل الشخص في ملف مصر ويحقق فيه نجاحا، ويبني علاقات ومعارف، وفجاة ينقل إلى ملف آخر ، وقد لا يعود إلى ملف مصر مرة اخري، اما في مصر فكثيرون من الذين يعملون في ملف السودان لا يفارقونه إلا ليعودوا له مرة اخري، وبينما قلة المعرفة تقود السودانيين إلى التخبط، فان كثرة المعرفة تصيب المصريين بالبطر، فيتوهم بعضهم أنهم يعرفون السودان اكثر من السودانيين، ويذهب الوهم والبطر بالبعض فيزعمون أنهم يعرفون مصالح السودان اكثر من السودانيين، ولهذه الأسباب تتعطل كثير من المشروعات بين البلدين، بقلة معرفة بعض السودانيين، وبوهم المعرفة الزائد عند بعض المصريين.
ومن العلل الكبري التي تعطل التواصل الإيجابي بين مصر والسودان، الهواجس والأوهام التي تعشعش عند رؤوس كثيرين من المسؤولين والمهتمين في البلدين، وتاتي في مقدمتها الهواجس الأمنية، ولقد كان السبب الأساسي لاتخاذ حكومة الإنقاذ قرارات إغلاق المؤسسات التعليمية والاقتصادية والخدمية في السودان، توهم أن كل العاملين في هذه المؤسسات يتبعون للأجهزة الأمنية المصرية، ولدرء هذا الخطر المتوهم، تناسوا كل المنافع المباشرة المعلومة، وداسوا بها علي الأرض، ولذات الهواجس الأمنية فقدت مصر سودانيين كثر كانوا من الممكن أن يبنوا جسورا متينة للتواصل الإيجابي في مجالات عدة.
نواصل باذن الله تعالى
مشاركة الخبر علي :
