عبد اللطيف السيدح يكتب: ملف الحج عودٌ على بدء.
لسان حال عبد الله السعيد
إما حياة تسر الصديق،، وإما ممات يغيظ العدا.
خيار واحد فقط أمام الدولة: تمكين الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة من عمله أو خروج نهائي للسودان من الموسم.
إن الأحداث المحيطة بملف حج السودانيين لا يمكن وصفها إلا بأنها إهدار متعمد للوقت، وتبديد خطير لترتيبات شعيرة دينية، ومغامرة غير محسوبة العواقب بآمال وأحلام الآف المواطنين والمواطنات من أهلنا الطيبين الذين ينتظرون بلهفة المشتاق من دولتهم أن تحمي حقوقهم حتى يتمكنوا من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، لا أن تتخلى عنهم لأصحاب المصالح الذين سيزجون بالفريضة في دهاليز الصراع والمساومات والصفقات المعتمة،فبعد التفاؤل الذي كان مشوبا بالحذر عادت الأوضاع إلى ذات الحلول الصفرية، وكأن الاجتماعات، لم تنعقد إلا للصور التذكارية والمؤانسة، وجبر الخواطر، والمحصلة إلتزامات ووعود بلا تنفيذ.
فالإجتماع الذي دعا له نائب رئيس مجلس السيادة الفريق مالك عقار، وحضره رئيس مجلس الوزراء الدكتور كامل إدريس، وجمع كلا من وزير الشؤون الدينية والأوقاف بشير هارون عبد الكريم، والأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة الأستاذ عبد الله سعيد، كان يُفترض أن يكون لقاء حاسما لأزمة متطاولة، لكنه أعاد تدوير الأزمة من جديد والسبب أن نائب رئيس مجلس السيادة والسيد رئيس الوزراء لم يضعا أيديهم على الجرح مباشرةً ويضعان بداخله الدواء الشافي بعد تطهيره كاملاً، وكان مأمولا أن يوضع في اللقاء حداً للفوضى، لا أن يمنح الخلاف جلسة أوكسجين تنعشه من جديد،حيث لم يتسلم الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة في الإجتماع مهامه وصلاحياته كاملة غير منقوصة في حضور رئيس الوزراء، وأن تحدد لكل من الطرفين مهامه وصلاحياته في منظومة الحج، لكن هذا للأسف لم يحدث فوقع الخلاف في اليوم التالي. لذلك فإن الأخبار الواردة من بورتسودان غير مبشرة إطلاقاً، ولا توحي بوجود نية حقيقية لتسليم الأمين العام لصلاحياته كاملة غير منقوصة، حتى يباشر مهامه كما نص قرار تعيينه وكما تقتضي المسؤولية، بل إن المشهد، وفق ما يرشح من معلومات، يُظهر بوضوح أن شرط المساومات أصبح الأكبر نصيباً من النقاش، وحكاية تخلى لنا عن ذلك مقابل أن نتنازل لك عن هذا هى الأكثر حضوراً، والمسيطرة الفعلية على اللقاءات، وما يرشح من خلف الكواليس أن الأمين العام يتعرض لضغوط شديدة، لكي يمرر عدداً من الصفقات تم الإتفاق عليها مع عدد من الشركات التي تنشط في مجالات الإسكان والنقل والإعاشة، ويراد منه أي الأمين العام الموافقة عليها والتسليم بالأمر الواقع، وهنا تضيء الإشارة الحمراء بلا توقف فهذه الصفقات، من حيث المبدأ، تفتقر إلى الشرعية، لأن من أبرمها غير مخول قانوناً بعقد أي اتفاقيات في ظل غياب الأمين العام وهو المسؤول التنفيذي الأول أمام الدولة، إضافة لذلك أنها لم تتم بموافقة ولا مشاركة ولا حضور أمناء الحج والعمرة بالولايات، وهم الجهة التي تمثل الحجاج فعلياً، وملف الحج ليس نشاطاً هامشياً، بل منظومة خدمات متكاملة تتطلب أعلى درجات الشفافية، والوضوح، والرقابة، والمساءلة وأعماله، كحزم الخدمات المرتبطة به، ليست مزاداً مفتوحاً، ولا غنيمة موسمية، بل هي أمانة شرعية،ومسؤولية أخلاقية، وملف سيادي بامتياز، لأن فشله لا ينعكس فقط على موسم واحد، بل على سمعة الدولة أمام العالم الإسلامي وفشل الموسم ينطوي تحت هذه الضغوط التي تمارس بشدة على الأمين العام من أجل أن يبصم على ما إتفق عليه آخرون في ظل غيابه، و في نفس الوقت مطالب أن يوقّع لهم شيكا على بياض، يمنحهم الفوز بصكوك العمولات الضخمة، ولو فعل الرجل ما طلب منه يكون فعلاً قد سلم عنقه وبكامل أهليته لحبل المشنقة، وسيتصدر قائمة الضحايا ، وأول من يُسأل عن الإخفاق والخلل، و الفضيحة، ولهذا فإن رفضه، ليس تعنتاً، بل تمسك بالحد الأدنى من المهنية والنزاهة وحماية النفس من السقوط في المحرقة الجاهزة، وإلى قيادة الدولة نقولها بكل وضوح هذه لحظة القرار لا المجاملة، والناس أمام امتحان حقيقي، والزمن ليس في صالح أحد، والجداول صارمة، ومصفوفة حج عام 1447هـ لا تنتظر المترددين ولا المتشاكسين، وأي تلكؤ أو تأخير إضافي يعني خروج السودان عملياً من الموسم،وضياع فرصة الحج على آلاف السودانيين، وتحميل الدولة وزر فشل تاريخي ما كان ينبغى له أن يكون لولا اللامبالاة.
ولهذا فإن الحل بعيداً عن البيانات واللقاءات الشكلية محصور في ثلاثة خيارات لا رابع لها،، أولاً أن يتمسك الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة بموقفه، وألا يتنازل عن صلاحياته الممنوحة بموجب القانون، وألا يوقّع على أي اتفاقيات لم يكن طرفاً فيها، وألا يتحمل وزر قرارات لم يتخذها،، ثانياً أن يتقدم باستقالته مباشرة إلى رئيس مجلس الوزراء الذي عينه ومنحه الثقة الكاملة وغير المنقوصة بأن يبحر بهذه السفينة حتى تستوي على الجودي، فإما إكمال المهمة، أو أن يغادر هذا الحقل الملغوم، ويعود إلى مدينته الوادعة الدمازين
ولسان حاله يردد:
إما حياة تسر الصديق،، وإما ممات يغيظ العدا.
متنازلا عن الأمانة المغتصبة لمن يريد أن يدخل بها نار جهنم وبئس المصير ،، ثالثاً وأعتقد أنه الخيار الأهم والأجدى أن توقف رئاسة الدولة وخلال اليومين المقبلين هذا العبث بقرارات حاسمة، تضع كل زول في علبو وتوقف هذه الفوضى، وتقيل كل من يسعى لتعطيل موسم الحج، وإخراج السودان العريق الكبير من حج 1447هـ، وإن لم تأت هذه القرارات سريعاً فسيكون حج أهلنا تحت رحمة العابثين،، أخيرا نحن لسنا ضد أشخاص، بل ضد المنهج الخاطئ، وضد ثقافة الالتفاف، والكيري، والهيمنة، وانتزاع صلاحيات لم يمنحك لها قانون ولا لائحة، وليست من اختصاصاتك، لتهيمن عليها بالشفتنة والبلهوانية، والاستعانة بمراكز قوة ونفوذ داخل حكومة الأمل.
إن الحج ليس ملفاً ثانوياً، ولا يحتمل سياسة الأجاويد، وخلوها تمشي، وباركوها، فهذا الملف خطير وحساس ولا يصلح أن يدار بالأعصاب الباردة والمصالح الساخنة.
فإما دولة تحسم، أو فوضى تستمر، وإما قرار شجاع الآن، أو فضيحة لاحقاً، والتاريخ لا يرحم المترددين..
مشاركة الخبر علي :
