السودان .... الواقع والخيارات المتاحة! بقلم /محمد التجاني عمر قش
الحرب الراهنة في السودان ليست حدثا عابرا، بل هي في الواقع عمل مخطط ومدروس مسبقا تقف وراءه جهات متعددة لها أهداف تتعارض مع أمننا القومي ومصالحنا العليا بالضرورة، حيث إن المستهدف ليس فقط الموارد الاقتصادية والموانئ على ساحل البحر الأحمر، بل المستهدف هو وجود الشعب السوداني، وهويته، وحضارته، وثقافته. ولذلك يجمع كثير من المحللين والمختصين على أن السودان يمر بمرحلة هي من أعقد المراحل في تاريخه الحديث، حيث تداخلت الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحوّل الصراع من تمرد عسكري تقوده مليشيا كانت تابعة للجيش السوداني إلى معركة وجود تهدد وحدة الدولة ومستقبل المجتمع.
من جانب آخر اتضحت مواقف دول الإقليم والمجتمع الدولي الواسع تجاه ما يحدث في السودان، وكل يسعى لأن يأخذ بنصيبه من هذا الجسم الضخم دون مراعاة لحرمة الدم والعرض في وطننا العزيز!
أمام هذا الواقع المرير والمتأزم يطرا سؤال ملح يتعلق بالخيارات المتاحة للخروج من هذا المأزق، فهل يستمر الجيش السوداني ومن يقف معه من قوات في الحرب لسحق المليشيا والفئات المتماهية معها، أم يجنح للسلم، وفي كلا الحالتين ما هي النتائج والتكلفة المتوقعة يا ترى؟ ففي حين يميل كثير من أفراد المجتمع السوداني لخيار الاستمرار في الحرب؛ نظرا لما لاقوا من تعنت وسوء معاملة وفظائع تقشعر لها الأبدان على يد عناصر المليشيا، وتوجسهم من تدخلات الخارج الذي يسعى لفرض وجهة نظر سياسية وعسكرية تنطوي على مخاطر تهدد وحدة التراب السودان وقد تقضي على هوية المجتمع برمته، هنالك فئة ترى أن الاستمرار في القتال مكلف ولن يحقق نتيجة حاسمة في المستقبل القريب وقد يطيل أمد الحرب، وهؤلاء معظمهم مرجفون يخفون من المواقف ما لا يظهرون للناس، فهم في واقع الأمر ربما يكونون أذرع لتنفيذ الأجندة الإقليمية والدولية التي لا يمكن أن يوافق عليها المجتمع السوداني.
يقول أحد المتابعين للشأن السوداني: "أمام هذا الواقع، تبدو الخيارات محدودة لكنها حاسمة. الخيار الأول هو الاستمرار في منطق الحرب، وهو خيار قد يؤدي إلى مزيد من الدمار والقتل في صفوف السودانيين بمختلف انتمائهم، وقد يقود في نهايته إلى دولة مقسمة. أما الخيار الثاني، وهو الأصعب سياسيًا لكنه الأقل كلفة وطنيًا، فيتمثل في إيقاف الحرب فورًا، والاتجاه نحو تسوية شاملة لا تُقصي أحدًا، وتقوم على حوار وطني حقيقي يعالج جذور الأزمة لا مظاهرها فقط."
وبما أن المليشيا وداعميها يتلقون دعما عسكريا ولوجستيا وإعلاميا وسياسيا لا محدود من بعض دول الإقليم وكبار اللاعبين على مستوى المسرح العالمي، وحيث إن السودان قد خذله من كنا نظن أنهم جيران أو أشقاء أو أصدقاء على أقل تقدير، وبما أن العلاقات الدولية تحكمها المصالح، وليس الوعود الكذوبة والمجاملات الزائفة والكلمات الرنانة، فإن ثمة خيار آخر متاح أمام الحكومة السودانية ألا وهو التوجه صوب موسكو في أقرب وقت ممكن على أن نوقع معها اتفاقية ثنائية من شأنها تحقيق تفوق في ميزان القوة لصالح الجيش السوداني ضد المليشيا، مقابل تسهيلات تمنح لدولة روسيا في السودان.
مشاركة الخبر علي :
