بقلم د.سعاد فقيري حين يرحل الصوت الذي كان يُشبه الوطن… وداعًا عبدالقادر سالم
طالبين سلامًا… ما تبقّى ظلامًا،
والدنيا – يا خي – معدودة أيّامًا.
بهذا الوجع الثقيل، وبحزنٍ لا تخفّف حدّته الكلمات، يترجّل عن مسرح الحياة الفنان المخضرم، الدكتور والباحث في التراث عبدالقادر سالم، بعد صراعٍ طويل مع المرض. رحل في صمتٍ يليق بالكبار، وترك خلفه فراغًا لا يُملأ، وصوتًا لا يُعوَّض، وذاكرةً سودانيةً تنزف حنينًا.
لم يكن عبدالقادر سالم فنانًا عابرًا في تاريخ الغناء السوداني، بل كان صوتًا يشبه الوطن؛ بسيطًا، عميقًا، صادقًا، ومشحونًا بالمعنى. حمل كردفان في حنجرته، ومشى بها إلى كل بقاع السودان، ثم إلى العالمية، دون أن يتخلّى عن جذوره أو يساوم على هويته الفنية.
غنّى «مكتول هواك يا كردفان» فصارت نشيد عشقٍ للأرض، وغنّى «ليمون بارا» فأنطق الذاكرة الشعبية بفرحها وحزنها معًا. في أغنياته لم يكن اللحن وحده هو البطل، بل الإنسان، والمكان، والتاريخ غير المكتوب.
وُلد عام 1943م، وتخرّج من معهد المعلمين بالدِلنج في أواخر ستينيات القرن الماضي، فجمع بين العلم والفن، وبين رسالة التربية ورسالة الجمال. لم يغنِّ لمجرد الطرب، بل كان باحثًا في التراث، يحفظه من الضياع، ويقدّمه للأجيال بوعيٍ واحترام.
في زمنٍ تكاثرت فيه الضوضاء وقلّ فيه الصدق، ظل عبدالقادر سالم ثابتًا، نقيًّا، وفيًّا لقيمه، مؤمنًا بأن الفن موقف، وأن الأغنية يمكن أن تكون جسر سلام لا أداة لهو.
اليوم، لا نبكي فنانًا فقط، بل نبكي مرحلة كاملة من النبل الفني، نبكي زمنًا كان فيه الصوت رسالة، والكلمة عهدًا، واللحن وطنًا. رحل الجسد، لكن الأغنيات باقية، تشهد له، وتبكيه، وتُذكّرنا بأن الكبار لا يموتون… بل يتحوّلون إلى ذاكرة.
اللهم اغفر له وارحمه، واجعل ما قدّم في ميزان حسناته،
وأسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
مشاركة الخبر علي :
