العودة الآمنة إلى الخرطوم: خطة إحكام الأمن وتأمين المنشآت وبناء الثقة مع المواطن بقلم د.سعاد فقيري
مقدمة:
لا يمكن الحديث عن عودة المواطنين إلى الخرطوم بمعزل عن شرطٍ جوهري هو الأمن. فالأمن ليس ترفًا ولا شعارًا سياسيًا، بل هو الأساس النفسي والعملي لأي عودة جماعية ومستدامة.
بعد الحرب، تصبح العاصمة مدينة جريحة، ويصبح المواطن مترددًا، خائفًا، فاقدًا للثقة في قدرة الدولة على حمايته.
من هنا، فإن نجاح العودة إلى الخرطوم مرهون بـ قبضة أمنية صارمة، ذكية، ومنظمة، تقودها الشرطة كذراع مدني للدولة، مدعومة بالقوات النظامية الأخرى، ضمن رؤية وطنية واضحة.
أولًا: فلسفة الأمن كشرط للعودة
العودة لا تتحقق بالتصريحات أو النداءات العاطفية، بل عبر معادلة بسيطة:
> أمن مستقر + خدمات أساسية + قانون مُطبق = عودة طوعية للمواطن
ويجب أن تدرك الدولة أن المواطن:
لا يعود إلى حيٍ بلا شرطة
لا ينام في مدينة بلا قانون
لا يستثمر في واقع تسوده الفوضى
وعليه، فإن الأمن يسبق الإعمار، ويؤسس له.
ثانيًا: إحكام أمن ولاية الخرطوم – قبضة من حديد بلا تهاون
1. إعادة انتشار الشرطة انتشارًا كثيفًا ومرئيًا
فتح جميع أقسام الشرطة المغلقة فورًا.
إنشاء نقاط ارتكاز شرطية ثابتة في:
الأحياء السكنية
الأسواق
محطات المواصلات
تسيير دوريات راكبة وراجلة على مدار الساعة.
> وجود الشرطة في الشارع رسالة طمأنة أقوى من ألف بيان.
2. فرض هيبة الدولة وتطبيق القانون بلا مجاملة
منع حمل السلاح داخل المدن منعًا باتًا.
مصادرة أي سلاح غير مرخص فورًا.
التعامل الحاسم مع:
السرقات
النهب
التعديات على المنازل والمرافق
> الدولة التي تتساهل في الأيام الأولى، تدفع ثمن الفوضى لاحقًا.
3. جهاز أمني موحد وغرفة قيادة واحدة
إنشاء غرفة عمليات أمنية مركزية لولاية الخرطوم تضم:
الشرطة
الأمن
الاستخبارات
الدعم اللوجستي
توحيد القرار الأمني ومنع التضارب في الصلاحيات.
استخدام أنظمة اتصال حديثة واستجابة سريعة للبلاغات.
ثالثًا: تأمين المنشآت والمرافق الحيوية
عودة المواطن لا تكتمل إلا إذا وجد الدولة قائمة.
1. تأمين المنشآت السيادية والخدمية
الوزارات
المستشفيات
محطات الكهرباء والمياه
الجسور والطرق الرئيسية
الجامعات والمدارس
ويكون التأمين عبر:
حراسة ثابتة
كاميرات مراقبة
نقاط تفتيش ذكية غير معيقة للحركة
2. حماية الممتلكات العامة والخاصة
إنشاء نيابة ومحاكم طوارئ للجرائم المتعلقة:
بالنهب
التخريب
التعدي على الممتلكات:
تسريع الفصل في القضايا لبث رسالة ردع واضحة.
رابعًا: بناء الثقة النفسية مع المواطن
الأمن ليس سلاحًا فقط، بل إحساس.
1. خطاب رسمي صادق
الاعتراف بحجم التحديات دون تهوين أو تهويل.
إعلان خطط أمنية زمنية واضحة.
تقديم تقارير دورية عن تحسن الأوضاع.
2. إشراك المجتمع المحلي
لجان أحياء تحت إشراف الشرطة.
خطوط ساخنة للتبليغ:
تشجيع المواطن ليكون شريكًا لا ضحية.
خامسًا: مراحل العودة الآمنة
المرحلة الأولى: السيطرة الأمنية
بسط الأمن الكامل.
إزالة أي مظاهر مسلحة.
فرض القانون.
المرحلة الثانية: عودة تدريجية منظمة
عودة الموظفين الحكوميين أولًا.
عودة الخدمات الأساسية.
ثم فتح المجال للعودة الشعبية الواسعة.
المرحلة الثالثة: الاستقرار والاستدامة
الانتقال من الأمن المشدد إلى الأمن الوقائي.
تعزيز الشرطة المجتمعية.
ربط الأمن بالتنمية.
خاتمة:
إن عودة المواطنين إلى الخرطوم ليست قرارًا إداريًا، بل رهان على قدرة الدولة.
والشرطة، حين تمسك بزمام الأمن بقبضة من حديد عادلة، تحمي الوطن قبل المواطن، وتصنع بيئة العودة والاستقرار.
> لا إعمار بلا أمن،
ولا عودة بلا قانون،
ولا دولة بلا هيبة.
مشاركة الخبر علي :
