أول من تفوه بتوصيف الأدلجة هو ياسر عرمان، ظل يرددها منذ أن التحق بقوات الحركة الشعبية وبرفقته شيوعيون آخرون منذ عام 1983 خلال حكم الرئيس نميري.
والأدلجة أو الآيدلوجيا تعني العقيدة الفكرية، ويعد الفرنسي دي تراسي أول من وضع هذا المصطلح في عصر التنوير الفرنسي، في كتابه (عناصر الأيديولوجية). ويعني تراسي بالأيديولوجية علم الأفكار، أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس، والتي تُبنى منها النظريات والفرضيات لتتلاءم معها العمليات العقلية لأعضاء المجتمع.
بصراحة لم أجد في أدبيات كل الاحزاب السودانية أو كتابات وأقوال النخب السودانية أيما اتهام بكون الجيش السوداني مؤدلج إلا من بعد تولى ياسر عرمان كبر هذا التوصيف.
ثم تمحور واستطال توصيف الأدلجة ليصبح حديثا عن (عقيدة الجيش) عند عدد من قيادات قحت (الجناح المركزي)، وترافق ذلك مع مطالبتهم وسعيهم الحثيث لتفكيك الجيش السوداني، وظل التبرير المستصحب دوما كونه في نظرهم مؤدلجا وذو عقيدة مخالفة.
ماكان مني إلا أن بحثت في الأدبيات والممسكات التي تحكم وتضبط حراك الجيش السوداني وبقية الجيوش، فإذا بي أجد قسم الجندية، تبين لي بأنه المقصود بالأدلجة المزعومة والعقيدة التي لايقبلون بها.
وهذا قسم الجندي السوداني:
(اقسم بالله العظيم ان انذر حياتي لله والوطن وخدمة الشعب في صدق وامانة وأن اكرس وقتي وطاقتي طوال مدة خدمتي لتنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقي بموجب الدستور وقانون القوات المسلحة او اي قانون اخر أو أي لوائح سارية المفعول وأن أنفذ أي أمر مشروع يصدر إلى من ضابطي الأعلى برا وبحرا أو جوا وأن أبذل قصارى جهدى لتنفيذه حتى لو أدى ذلك للتضحية بحياتي).
ولكي تتسنى لنا المقارنة مع قسم آخر؛ هذا قسم الجندي المصري (كمثال):
(أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أقسم بالله العظيم، أن أكون جندياً وفياً لجمهورية مصر العربية، محافظاً على أمنها وسلامتها، حامياً ومدافعاً عنها فى البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعاً للأوامر العسكرية، ومحافظاً على سلاحى، لا أتركه قط حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد).
عرضت القسمين على صديق عربي دارس للقانون بعد أن حذفت اسم الدولة باعتبار القسمين للسودان وأرغب في تبين أيهما الأفضل، أشار لي صديقي بأن القسم الأول أشمل وأكثر احاطة من الناحية القانونية والتنفيذية.
لم أكتف بذلك، بل وضعت القسمين أمام ناظري وأعدت القراءة، فعلمت يقينا بأن السبب الأساس في رفض ياسر عرمان ومن معه من قيادات قحت هو ابتدار قسم الجندي السوداني بذكر الله!
(أنذر حياتي لله والوطن)
فهل نذر الجندي السوداني نفسه (لله) والوطن جريمة؟!
هل ذكر لفظ الجلالة يعني أن الجندي السوداني ينذر نفسه للمؤتمر الوطني أو الشعبي أو أنصار السنة المحمدية أو أي واجهة اسلامية أخرى؟!
وهل أصلاً هناك سوداني لايؤمن بالله؛ مسلما كان ( وهم الغالبية التي تفوق ال97% من السكان) أو من ال3% الباقية، مسيحيا كان أو حتى وثني؟!
بالطبع فإن ياسر عرمان ويساريو الهوى والذهنية من قيادات قحت يرفضون جعل (دينهم) الاسلام مصدرا للتشريع، إن كان في الوثيقة الدستورية أو الاتفاق الاطاري، ولعل ذلك سبب حسبانهم أن ذكر لفظ الجلالة (علة) في صياغة القسم!.
لماذا (يكره) هؤلاء اسم الله لهذه الدرجة؟!
حتى البسملة رفضوها في ابتدار اتفاقهم الاطاري، وانبرى متحدثهم -بجهالة- في الفضائيات ليقول بأن مشركو قريش رفضوها وقبل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد شبه وقايس نفسه وقومه -من قحت- بمشركي مكة؛ وكان عليه أن يعلم أن الله شهد لمن شبه نفسه ورفاقه بهم كانوا يؤمنون بالله:
قال الله تعالى عنهم:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} العنكبوت 61.
من حق أي جندي سوداني مسلما كان او غير مسلم، طالما يؤمن بوجود الله أن يسبق نذر نفسه للوطن لله، وله أن يرهن نيته هذه للإله الذي يؤمن إن كان مسلما أو مسيحيا أو كجوريا، ومعلوم أن المسلم يؤسس حراكه الحياتي على النية، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
أحرى بالجندي المسلم (طالما كان المسلمين غالب سكان السودان) أن ينال الشهادة في سبيل الله قارنا نذر نفسه لأجل هذا الوطن بنية قاصدة لله، فلماذا نحرمه عن ذلك وهو يقدم نفسه دفاعا عنا وفداء للوطن ومافيه؟!
الله المستعان.
adilassoom@gmail.com
مشاركة الخبر علي :