!
الأزهارُ إن افترّت ثناياها لنحلة أو فراشة لتهبها رحيقا؛ تُلْهِمُ بلحن!
والاشجارُ إن ماست بأغصانها للنسيم، تكون مبعثا للحن!.
والعصافير كلما صوصوت احتفاء بطلوع فجر، تتحفنا بلحن!
وهمس الأمواه في آذان الحصى المنثور في الجداول محاكيا صليل الحلي في أيدي الغواني؛ يظل مبعثا للحن!.
كلها الحانٌ، لكن هناك من الألحان ما يتمشّى في مفاصل نعّس!!
يسري بليلٍ ليصل إلى جنّة يقال لها (جريبان)، هنااااك في أرض كردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة، ليكون المتلقي لذاك اللحن راحلنا الجميل محمد عوض الكريم القرشي (ود القرشي)، الذي اكتحلت عيناه بنور شمس مدينة الأبيض في أحد الصباحات من عام 1924، وإذا بأقدار الله تجعل من توأم روح له يرى ذات النور ولكن في مدينة أخرى من مدن سوداننا الجميل، إنها شندي الجميلة بأهلها، فإذا بالناس ينادونه بالشفيع...
ويشاء الله أن تتشابه سيرة حياتيهما ودون أن يريا بعضيهما!.
كل منهما ينقطع عن الدراسة بُعيد اكماله للمرحلة الوسطى لمساعدة الوالد في التجارة!.
وإذا بسحائب الابداع تتساوق إلى كليهما، فيصبح الأول شاعرا مُجيدا، بينما يقتحم الآخر عوالم الإبداع الفني مغنيا فيصبح من اساطين فناني السودان الأماجد.
وإذا برحم الإبداع يتمخض ليلد للناس (لحن حياة) والتي أسماها الناس ب(ملامة)،
فانداح أريجها وفاح غامرا السوح والفضاءات مابين الابيض وأمدرمان وشندي!..
كلمات هذا العمل الفني الخالد (قد) تبدو في ظاهرها بسيطة بمكان، ولكن لعمري إن قراءة متأنية لمدلول كل كلمة يسوق النفس سوقا -رفيقا ورقيقا- إلى مراداتٍ لشاعر مبدع تعمره روح مرفرفة وسماحة نفس بهية…
لحن الحياة منك
وما تقول نسينا الماضي
وصرنا ناسينك
محبوبي الجميل
سألوني عنك،
عَرّفتهم.
إيه الصفات عنك،
خبّرتهم.
شافوا الجمال منك،
أقنعتهم.
طولت لكنك،
أنا ياحبيب الروح
أعفيني من ظنك.
محبوبي الجميل.
سالمني بي إيدو،
والدمع انهمر.
ذكَّرني بي ريدو،
في أوقات السمر.
ساحرني بي محيو،
وجنني وأسر.
شاغلني بي نورو،
وكم أخجل قمر.
بس تنسى كيفنك،
وإنت الوحيد بالذات
الكنا ذاكرينك!
محبوبي الجميل.
وفيما الملامة، يا روحي.
وكلي هياما، يا روحي.
ويامن تعاما، يا روحي.
سلاما سلاما، يا روحي.
وذكرى محب، يا روحي.
تموج بي قلبي، يا روحي.
وأنت بي قربي، يا حبيبي.
حياتي وحبي، يا روحي.
أهنأ وانت بعيــد،
ما كنا ناسينك.
والحب عليك إزداد،
غمر النفوس ضنك.
محبوبي الجميل.
لحن الحياة منك
وما تقول نسينا الماضي
و صرنا ناسينك
محبوبي الجميل.
…
وذات لحن الحياة
كتب عنه راحلنا الجميل الطيب الدوش (الحزن القديم) وذلك عندما قال:
بتطْلَعِى إنتِ من غابات
ومن وديان…
ومنى أنا..
ومِن صحْيَة جروف النيل
مع الموجَهْ الصباحيَّه..
ومن شهقَة زهور عطشانَهْ
فوق أحزانهْا..
متْكَّيهْ..
بتَطْلَعى إنتِ من صوت طِفلَهْ
وسط اللمَّهْ منْسيَّهْ
الدوش (هنا) يحيل(ها) بجسدها إلى لحن حياة يتلمسه في كل شئ حوله:
في نفسه التي بين جنبيه…
ومن وديان..
ومن غابات…
ومن صحية جروف النيل مع الموجة الصباحية،
ومن شهقة زهور عطشانة فوق أحزانا متكية،
ومن صوت طفلة وسط اللّمة منسية،
ما أجملها من اسقاطات للمحسوسات على ملموسات من حوله!
لكن الدوش (حبس) مبعث لحن الحياة وحكم عليه بالجمود عندما قال:
ب(تطلعي) إنتي.
أما القرشي فلم يفعل ذلك، إنما قال:
لحن الحياة (منك)!!
ودالقرشي أحال كل مشاعر الجمال وأحاسيسه إلى (روح) ووضعها في قالب ل(لحن الحياة)، واللحن أدعى ليكون (روحا) لاجسد له…
وبذلك فإن لحن حياة ود القرشي أكثر شمولا واحاطة من لحن حياة رفيقه الدوش، وهو بالتالي أكثر قدرة على الانتشار كما أشعة الشمس تنداح بعفوية في كل الأمكنة والزوايا…
وكما الأنسام تغازل مائسات النخيل والبض من أشجار التبلدي والجميز والنيم، وإذا بفخامة المعاني ونبيل المرادات تكتمل في ثنايا صوت راحلنا عثمان الشفيع!
استمعوا لها.
adilassoom@gmail.com
مشاركة الخبر علي :